وإذا وحدّت الله في تلاوتك آيات القرآن ، وقلت : لا إله إلا الله ، ولم تقل : واللات والعزّى ، ولّوا على أدبارهم نفورا ، أي رجعوا على أدبارهم نافرين نفورا ، تكبّرا من ذكر الله وحده ، لإدمانهم على الشرك وعبادة الأوثان ، فهذه الآية تصف حال الفارّين عن النبي صلىاللهعليهوسلم في وقت توحيده في قراءته القرآن. وهذا أولى المعاني وأوفق للفظ.
نحن يا محمد أعلم بالنحو الذي يستمعون به آيات القرآن ، حين يستمعون إليه هزءا واستخفافا وإعراضا ، ونحن أعلم بما يتناجى به كفار قريش ويتسارّون حين وصفوك بأنك رجل مسحور أو مجنون أو كاهن ، أي كأنه قال : نعم نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به ، أي هو ملازمهم ، يفضح الله بهذه الآية سرهم.
وقوله تعالى : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) الظاهر فيه أن يكون من السحر ، فشبّهوا الخبال الذي عنده ، بزعمهم وأقوالهم الوخيمة برأيهم ، بما يكون من المسحور الذي قد خبّل السحر عقله ، وأفسد كلامهم.
تأمل يا محمد ، كيف مثلّوا لك الأمثال ، وأعطوك الأشباه ، وضربوا لك المثل وهو قولهم : مسحور ، ساحر ، مجنون ، متكهّن ؛ لأنه لم يكن عندهم متيقّنا بأحد هذه ، فإنما كانت منهم على جهة التشبيه ، فحادوا عن سواء السبيل ، ووقعوا في الضلال ، وحكم الله تعالى عليهم به ، فصاروا لا يستطيعون سبيلا إلى الهدى والنظر المؤدّي إلى الإيمان ، ولا إلى إفساد أمرك وإطفاء نور الله ، بضربهم الأمثال لك. وهنا وعيد لهم وتسرية وإيناس لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
حكى الطبري : أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه. فقد رأى الوليد أن أقرب الأمور على تخيل الطارئين عليهم : هو أن النبي صلىاللهعليهوسلم ساحر ، كذبوا ورب الكعبة وضلوا ضلالا مبينا.