الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨)) (١) [الإسراء : ١٧ / ٤٥ ـ ٤٨].
أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب الزهري قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ، ودعاهم إلى الكتاب ، قالوا يهزؤون به : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٤١ / ٥]. فأنزل الله في ذلك من قولهم : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الآيات.
وآية (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) قيل : نزلت حينما دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقرأ ومرّ بالتوحيد ، ثم قال : «يا معشر قريش قولوا : لا إله إلا الله ، تملكون بها العرب ، وتدين لكم العجم ، فولّوا» فنزلت هذه الآية.
والمعنى : أن الله تعالى أخبر نبيه صلىاللهعليهوسلم أنه يحميه من مشركي مكة الذين كانوا يؤذونه ، في وقت قراءته القرآن وصلاته في المسجد الحرام ، ويريدون مدّ اليد إليه ، فلا تخف أيها النبي ، فإنك إذا قرأت القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالآخرة ، جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورا ، أي حائلا حاجزا ، يمنع قلوبهم من فهم القرآن وتدبر آياته ، ومستورا على أعين الخلق ، فلا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب بقدرة الله وكفايته.
وجعلنا على قلوبهم أغطية ، بحيث لا يتسرب إليها فهم مدارك القرآن ومعرفة أسراره وغاياته ، وجعلنا في آذانهم ثقلا ، أو صمما يمنع من سماع الصوت ، وهذه كلها استعارات للإضلال الذي حفّهم الله به ، فعبّر عن كثرة ذلك وعظمه بأنهم بمثابة من غطّي قلبه ، وصمّت أذنه ، والإضلال بسبب الضلال الذي سلكوه ، وساروا في فلكه بغيا وعنادا.
__________________
(١) مغلوبا على عقله بالسحر.