على معصيته ومخالفته ، والتبذير كما ذكرت : النفقة في معصية ، لا في مباح ، قال مجاهد : لو أنفق الإنسان ماله كله في حق لم يكن تبذيرا ، ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا.
ثم أمر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم في هذه الآية ، إذا سأله أحد من المساكين وبني السبيل ، فلم يجد عنده ما يعطيه ، واستحى من التصريح بالرد بسبب الفقر والقلة ، وأعرض عنه تأدبا منه ، في أن يرده تصريحا ، وانتظارا لرزق من الله تعالى يأتي ، فيعطي منه ، ويعده وعدا حسنا ، ويؤنسه بالقول الميسور : وهو عقد الرجاء على فضل الله ، والتأنيس بالميعاد الحسن ، والدعاء بتوسعة الله تعالى وعطائه. روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول كما ذكر القرطبي ١٠ / ٢٤٩ بعد نزول هذه الآية ـ إذا لم يكن عنده ما يعطي ـ : «يرزقنا الله وإياكم من فضله». فالمراد من الرحمة في آية (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) : الرزق الحسن.
وسياسة الإنفاق من الأموال : هي القصد والاعتدال ، فلا تجعل أيها النبي ، وكل إنسان ، يدك مغلولة إلى عنقك ، أي تمسكها عن الإنفاق ، وتبخل على نفسك وأهلك في وجوه صلة الرحم وسبيل الخيرات ، ولا تسرف ولا تتوسع في الإنفاق توسعا مفرطا ، فتعطي فوق طاقتك ، فتقع في الملامة والحسرة والندم ، حين لا تجد في يدك شيئا.
ثم أبان الله تعالى منهاج المدد الإلهي ورزق العباد ، مخاطبا رسوله : كن أنت يا محمد على ما رسم لك من الاقتصاد والاعتدال ، ولا يهمنك فقر من تراه فقيرا ، فإنه بمرأى من الله وبمسمع وبمشيئة ، فإنه تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ، ويضيّقه (يقدر) على من يشاء ، ويغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، لما له من الحكمة في ذلك ، يعلم مصلحة قوم في الفقر ، ويعلم مصلحة آخرين في الغنى.