(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)) (١) [التوبة : ٩ / ١٠٦].
هؤلاء النفر الثلاثة موقوفون مرجون ، أي مرجؤون مؤخرون لأمر الله في شأنهم ، ولا يدري الناس ما ينزل فيهم ، هل يتوب الله عليهم أو لا؟ وقد نهى الرسول صلىاللهعليهوسلم عن مجالستهم ، وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهلهن ، إلى أن نزلت آية التوبة عليهم في قوله سبحانه : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ..) إلى قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ..) أي تخلفوا عن التوبة.
وهم مرارة بن الربيع ، وكعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحفظ ، وطيب الثمار والظلال ، لا شكا ونفاقا.
وقد تردد في هذه الآية البت في شأنهم بين أمرين : التعذيب والتوبة. وترك أمرهم غامضا ، لا للشك ، فالله تعالى منزه عنه ، وإنما ليكون أمرهم على الخوف والرجاء ، وإثارة الغم والحزن في قلوبهم ، ليقدموا على التوبة ، ويصير أمرهم عند الناس على الرجاء ، فجعل أناس يقولون : هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا ، وآخرون يقولون : عسى الله أن يغفر لهم.
ومما لا شك فيه أن القوم كانوا نادمين على تأخرهم عن غزوة تبوك ، فلم يحكم الحق تعالى بكونهم تائبين ؛ لأن الندم وحده لا يكون كافيا في صحة التوبة ، ثم ندموا على المعصية لكونها معصية ، فصحت توبتهم. والله عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ، وبما يصلح عباده ويربّيهم ، حكيم في أفعاله وأقواله ، وفيما يشرعه لهم من الأحكام المؤدية لهذا الصلاح. ومن حكمته تعالى : إرجاء النص على توبتهم.
__________________
(١) مؤخرون لا يقطع لهم بتوبة.