والمعنى : فرح أولئك المنافقون المتخلفون ، أي المتأخرون عن الجهاد القاعدون في المدينة في بيوتهم ، بعد أن تركهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند خروجه إلى غزوة تبوك. وسبب فرحهم عدم إيمانهم بأن في الجهاد خيرا ، وسبب آخر هو كراهيتهم الجهاد مع النبي صلىاللهعليهوسلم بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، والفرح بالإقامة يدل على كراهة الذهاب ، أي أنهم فرحوا لأمرين : التخلف والبقاء في المدينة ، وكراهة الذهاب إلى الجهاد. ومنشأ هذين الأمرين هو الشّحّ إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله ، مما جعلهم يضنون بالدنيا.
ولم يقتصر الأمر على فرحهم بأنفسهم ، بل أغروا غيرهم بعدم الخروج ، وقال بعضهم لبعض : لا تخرجوا للجهاد ؛ لأن غزوة تبوك في شدة الحر ، وقد طابت الثمار والظلال المتفيأ بها. فرد الله عليهم بقوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) أي إن نار جهنم التي أعدت للعصاة أشد حرا مما فررتم منه من الحر ، فلو كانوا يعقلون ذلك ويعتبرون به ، لما خالفوا وقعدوا ، ولما فرحوا بل حزنوا ، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم : فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ ، فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم.
والأولى بهم أن يضحكوا ويفرحوا قليلا ، ويبكوا كثيرا ، وهذا إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، وإلى تأبيد الخلود في النار ، أي إن ما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا ، وبكاؤهم من أجل ذلك كثيرا. وهذا خبر عن حالهم وارد بصيغة الأمر : (فَلْيَضْحَكُوا) يقصد به التهديد وانتظار ما سيلاقون من عذاب شديد ، جزاء على ما اقترفوه أو اكتسبوه من الجرائم والنفاق. وقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) متعلق بالمعنى المقدر ، وهو : وليبكوا كثيرا إذ هم معذّبون جزاء. وقوله (يَكْسِبُونَ) نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به الثواب