ومعنى الآية : اخرجوا إلى الجهاد على كل حال من يسر أو عسر ، صحة أو مرض ، غنى أو فقر ، شغل أو فراغ منه ، كهولة أو شباب ، نشاط وغير نشاط ، خفاف في النفر لنشاطكم له ، وثقال عنه لمشقته عليكم ، وقاتلوا أعداءكم الذين يقاتلونكم ، من أجل كلمة الله ورفعة الدين الحق والقيم العليا المتمثلة فيه ، وذلكم المأمور به وهو النفير العام إلى الجهاد خير لكم في الدنيا والآخرة ، إن كنتم تعلمون ذلك وأنه خير ، فانفروا ولا تتثاقلوا ، وهذا بمثابة قانون التجنيد العام ، وتنبيه وهز للنفوس للقيام بواجب الجهاد.
وظهر في خلال الأمر بالنفير العام لوم المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك ، فأبان الله تعالى : أن ما دعوتهم إليه من الخروج للجهاد لو كان غنيمة أو منفعة قريبة المنال ، أو سفرا سهلا قريبا لا عناء فيه ، لاتبعوك أيها النبي وجاؤوا مسرعين معك ، ولكنّ هؤلاء المنافقين تخلفوا حينما رأوا مشقة السفر إلى بلاد الشام ، وأن القتال لأكبر قوة في العالم حينذاك وهم الروم ، فآثروا الجبن والراحة والسلامة ، والتفيؤ في ظلال الأشجار وقطف الثمار. وسيحلفون بالله اليمين الكاذبة عند رجوعك أيها الرسول من غزوة تبوك قائلين : لو استطعنا الخروج لخرجنا معكم ، فإنهم لم يكونوا ذوي أعذار ، وإنما كانوا أقوياء الأجسام ، وأصحاب ثراء ويسار ، إنهم يهلكون أنفسهم في العذاب باليمين الكاذبة أو بالكذب والنفاق.
ثم عاتب الله نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم في إذنه لطائفة من المنافقين بالتخلف ، قائلا له : سامحك الله بإذنك لهم ، لم أذنت لهم بالتخلف ، هلا تمهلت لتظهر لك الحقيقة ، ويتبين لك الفريقان : الذين صدقوا والذين كذبوا في إبداء الأعذار ، وهلا تركتهم لتعلم الصادق منهم من الكاذب ، فإنهم كانوا مصرين على التخلف ، وإن لم تأذن لهم فيه ، على أن الله كره خروجهم ، لما فيه من الخطر والضرر.