وهذا معنى قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ ..) أي أفرغ الله طمأنينته وثباته على رسوله وعلى المؤمنين الذين كانوا معه ، وأنزل جنودا لم تروها ، وهم الملائكة ، وعذّب الذين كفروا بسيوفكم بالقتل والسبي والأسر ، وذلك هو جزاء الكافرين في الدنيا ، إلا أن الملائكة لم تقاتل في هذه الموقعة ، كما قاتلت يوم بدر.
وبما أن الإسلام دين الرحمة ، فإن الله تعالى فتح باب الأمل أمام الكفار مبينا لهم أنه يتوب الله بعد هذا التعذيب الذي حدث في الحرب على من يشاء ممن عصى وكفر ، بأن يزيل عن قلبه الكفر ، ويخلق فيه الإسلام ، والله غفور لمن تاب ، رحيم بمن آمن وعمل صالحا ، وقد تاب الله على بقية هوازن ، فأسلموا ، وقدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم مسلمين ، ولحقوه ، وقد قارب مكة عند الجعرانة (١) بعد الوقعة من عشرين يوما ، ورد عليهم سبيهم وكانوا ستة آلاف ، ما بين صبي وامرأة ، وقسم النبي أموالهم بين الغانمين ، وتحقق النصر بفضل الله ، وفي ذلك اليوم قتل دريد بن الصمة القتلة المشهورة ، قتله ابن الدّغنّة ، والله يؤيد بنصره من يشاء.
موقف المسلمين من المشركين وأهل الكتاب
تميز موقف المسلمين من غيرهم بما يناسب حال أعدائهم ، أما المشركون الوثنيون فلم يقبل الإسلام منهم عهدا ولا وعدا ، وحرّم عليهم دخول المسجد الحرام ، تطهيرا من رجس الوثنية ، وأما أهل الكتاب الذين يلتقون في الجملة مع المؤمنين بعقيدة الإيمان باليوم الآخر ، فقبل الإسلام منهم العهد والمسالمة ، والتعايش السلمي في ديار المسلمين ، دون إزعاج ولا إكراه على الدين ، قال الله تعالى مبينا هذين الموقفين :
__________________
(١) موضع على سبعة أميال من مكة إلى الطائف.