ثم أبان القرآن حقيقة وضع النبي صلىاللهعليهوسلم ومدى معرفته بالغيب فقال تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) والمعنى : قل أيها الرسول للناس : إني لا أملك لنفسي ولا لغيري جلب أي نفع ، ولا أستطيع دفع أي ضرر عني ولا عن غيري ، إلا بمشيئة الله وقدرته ، فيلهمني إياه ، ويوفقني له. وهذا يدل على إظهار العبودية ، والتبري من ادعاء العلم بالغيوب ، ومنصب الرسالة لا يقتضي علم الساعة وغيرها من علم الغيب ، فالغيب لله وحده ، وإنما وظيفة الرسول تبليغ الوحي المنزل عليه من ربه ، والتعليم والإرشاد ، فإن الرسول بشر كسائر الناس ، قال الله سبحانه : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ..) [الكهف : ١٨ / ١١٠].
والله أمر نبيه أن يعلن : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير كالمال ونحوه من المنافع ، ولما أصابني السوء وتجنبت الشر ، ليس لي مزية عن البشر إلا بتبليغ الوحي عن الله بالإنذار والتبشير ، فما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة ، إنذار العصاة بالنار ، وتبشير المؤمنين بالجنات ، كما قال الله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧)) [مريم : ١٩ / ٩٧].
الخلق من نفس واحدة
يذكّرنا القرآن الكريم في مناسبات متعددة بقدرة الله وعلمه الغيبي ، وليس هناك أروع من التعريف بأن ملايين البشر من قديم وإلى يوم القيامة مخلوقون من نفس واحدة ، فما على الإنسان إلا الاستسلام لربه الخالق ، والتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه ، وأن يعلن عجزه أمام القدرة الخارقة ، فهو حري ألا يعلم غيبا ولا يدعيه ، قال الله تعالى مبينا هذا :