بالظالم لهم أبدا ، بل هو موافق لطبعهم وكسبهم واختيارهم ، وتهدي بالمحنة أيضا من تشاء من عبادك ، وهم المؤمنون المتثبتون في معرفتك ، ولست بالمحابي لهم في توفيقك للهداية ، بل هذا متفق مع طبعهم وكسبهم واختيارهم ، ولو ترك كل فريق وشأنه لاختار ما هو كائن فعلا.
ثم قال موسى مؤيدا كلامه بالتفويض لله : (أَنْتَ وَلِيُّنا) أي المتولي أمورنا والمهيمن علينا ، فاغفر لنا ، أي استر ذنوبنا ولا تؤاخذنا بها ، وارحمنا وإن قصرنا وفرطنا ، وأنت خير الغافرين ، أي الساترين ذنوب العباد ، العافي عن السيئات ، ورحمتك وسعت كل شيء ، ومغفرته ورحمته محضة ليست لمصلحة أو نفع ذاتي كحب الثناء ودفع الضرر ، أنت سبحانك تغفر لمحض الفضل والجود والكرم ، أنت حقا وقطعا خير من غفر وستر ، قال ابن كثير : والرحمة إذا قرنت مع الغفر يراد بها ألّا يوقع العبد في مثل الذنب في المستقبل.
وتتمة دعاء موسى : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً ..) أي أوجب وأثبت لنا بفضلك ورحمتك حسنة ، أي حياة طيبة في الدنيا بتوفير نعمة الصحة والعافية وسعة الرزق ، والتوفيق في العمل ، والاستقلال في الأمور ، وأثبت لنا كذلك مثوبة حسنة في الآخرة بدخول جنتك والظفر برضوانك وفيض إحسانك (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك وندمنا على اتخاذ قومنا عبادة العجل ، وطلب رؤية الله جهرة ، ونحو ذلك من فعل السفهاء ، ورجعنا إلى الإيمان المقرون بالعمل.
قال الله مجيبا موسى : إن عذابي أصيب به من أشاء من الكفار والعصاة ، ورحمتي وسعت كل شيء في العالمين ، فسأكتب هذه الرحمة لكل من يتقون الشرك والمعاصي ، ويؤتون الزكاة التي تزكي النفس والمال ، والذين يصدقون بآياتنا الدالة على توحيدنا ، ويصدقون بكفاية شريعتنا وسموها وصلاحيتها للعمل والتطبيق ، وصدق رسلنا ،