حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)) (١) [الأعراف : ٧ / ١٥٥ ـ ١٥٦].
كل شأن عظيم يجب الاستعداد له بما يناسبه ، وكان الإعداد لمناجاة موسى ربه : أنه اختار من قومه سبعين رجلا ، وأمرهم بالصيام والتطهر ، ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء ، ليكون منه ومنهم اعتذار إلى الله عزوجل من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل ، وطلب لكمال العفو عمن بقي منهم. وكان ذلك عن توقيت من الله عزوجل ووعد (أو عدة) في الوقت والموضع ثم خرج بهم إلى طور سيناء ، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ، وقال للقوم : ادنوا فدنوا ، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجدا ، وسمعوا المولى جل شأنه ، وهو يكلم موسى بأمره ونهيه ، ثم انكشف الغمام ، فأقبلوا على موسى ، وطلبوا منه رؤية الله جهرة ، فإنك قد كلمته فأرناه ، فأخذتهم رجفة الجبل وصعقوا حينما ألحوا في طلب الرؤية ، ولم تكن تلك الرجفة موتا ، ولكنها رعدة من هيبة الله تعالى وجلاله ، واهتزاز وتقلقل للهول العظيم.
فقال موسى حينئذ متأسفا عليهم : رب لو شئت أهلكت هؤلاء القوم حين عبدوا العجل وحين طلبوا رؤيتك ، وأهلكتني معهم أيضا قبل أن أرى ما رأيت من رعدتهم. يا رب ، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ حيث طلبوا رؤيتك جهرا لسماعهم كلامك. وما هي إلا فتنتك أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك حين كلمتني ، فسمعوا كلامك وطلبوا الرؤية ، فليس الأمر إلا أمرك ، وما الحكم إلا لك ، فما شئت كان ، تضل بالمحنة من تشاء من عبادك وهم الجاهلون غير المتثبتين في معرفتك ، ولست
__________________
(١) تبنا ورجعنا إليك.