إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦)) (١) [الأعراف : ٧ / ١٢٣ ـ ١٢٦].
لقد أسقط في يد فرعون ، وطاش صوابه ، فلجأ إلى التهديد والتخويف والوعيد وجعل ذنب السحرة المبادرة إلى الإيمان بإله غيره من دون إذن منه ولا رضا ، فقال لهم : كيف آمنتم برسالة موسى واتبعتموه قبل أن آذن لكم؟ وإن ما تظاهرتم به أولا بعداوة موسى ، والاعتداد بالسحر ثانيا ، وإرادة الغلبة لموسى ثالثا ، هذا كله مكر خفي منكم وتدبير خبيث وتواطؤ مع موسى قبل المباراة ، لقد دبرتم العمل بالمدينة ، وتآمرتم لإخراج الناس من البلد ، فسوف تعلمون عاقبة ما أفعل بكم. إن فرعون يعلم يقينا أن الاتهام بالمكر والمؤامرة غير صحيح ، فهو الذي أرسل جنوده في سائر أقاليم مصر ، ووعدهم بالعطاء ، ولم يلتقوا بموسى ، ولم يعرف موسى أحدا منهم ، ولا رآه ولا اجتمع به.
وعقابي لكم : تقطيع الأيدي والأرجل ، ثم القتل والصلب على جذوع النخل ، والتنكيل بأشد العذاب والعقاب ، حتى تكونوا عبرة للمعتبر ، والقصد من هذا التهديد حماية مزاعمه بادعاء الألوهية ، وسد الباب أمام الناس الذين يريدون الإيمان بالله تعالى ، وترك الولاء والعبودية لفرعون.
ولكن فريق السحرة لم يأبهوا بالتهديد والوعيد ، لثقتهم بالله ، وقالوا : إن الأمر كله لله ، وإننا راجعون إلى ربنا مهما طال العمر ، وما تنقم منا وما تكره من أفعالنا إلا أننا آمنا بالله ورسوله لما ظهرت الآيات والمعجزة ، وعرف الحق ، وتبدد الباطل. وهذا إعلان لقرار لا رجعة فيه ، وكأنهم يقولون : لا أمل لنا في رجوعنا عن الإيمان بالله ربا واحدا لا شريك له.
__________________
(١) ما تكره وما تعيب منا.