وأوحى الله إلى موسى وأمره بإلقاء عصاه ، فكانت ثعبانا ظاهرا ، وعظم حتى كان كالجبل ، فإذا هي تبتلع وتزدرد ما ألقوه وموهوا به أنه حق ، وهو باطل ، ثم رجعت بعد ذلك عصا. فظهر الحق كالشمس ، وفسد ما كان السحرة يعملون ، من الحيل والتخييل ، وذهب تأثيره ، وأدركوا أن فعل موسى فوق السحر وغلب السحرة في ذلك الجمع العظيم بأمر الله وقدرته ، وانقلب فرعون وقومه صاغرين أذلة ، بما لحقهم من عار الهزيمة والخيبة والخذلان. وعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر ، فخروا سجدا مؤمنين بالله ورسوله. وقالوا : آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون ، لأن الحق بهرهم ، وتيقنوا من نبوة موسى عليهالسلام بقلوبهم ، وتلاشت من أذهانهم فكرة ربوبية فرعون وتبددت أوهام الجهال من أنه رب الناس ، وكان هارون أخو موسى أسنّ منه بثلاث سنين.
تهديد فرعون للسحرة
بعد أن تغلب موسى على سحرة فرعون ، وظهر الحق واندحر الباطل ، آمن السحرة بالله رب العالمين ، وكان إيمانهم قويا راسخا كالجبال ، واتكلوا على الله ، ووثقوا بما عنده ، ولكن فرعون اتهمهم بالتواطؤ مع موسى ، وهددهم بتقطيع الأيدي والأرجل والقتل والصلب على جذوع النخل ، فما لان مؤمنو السحرة للتهديد والوعيد ، ولم يبالوا بالتعذيب ، لأنهم آمنوا إيمانا صلبا ملأ نفوسهم برهبة الله والخوف من عذابه يوم القيامة. وصف الله تعالى موقف فرعون من السحرة ، فقال :
(قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا