ويتطلب الدعاء أيضا ما قاله تعالى : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) أي ادعوا الله خوفا من عقابه ، وطمعا في جزيل ثوابه. فإذا دعا الإنسان متذلّلا لربّه خاضعا لجنابة ، معتقدا ذلك في قلبه ، خائفا من عذاب الله ، طامعا في فضله وثوابه ، كان دعاؤه أقرب إلى الإجابة ، قال الله تعالى في ختام الآية : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي إن رحمة الله وإجابته قريبة من المحسنين أعمالهم ، وهي مرصدة للمحسنين الذين يتّبعون أوامره ويتركون زواجره ، فمن أحسن الدعاء أعطي خيرا مما طلب أو مثله ، أو دفع عنه من الشّر مثله. كما قال الله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النّجم : ٥٣ / ٣١].
وحذف التاء من قوله تعالى : (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في صفة الرّحمة إما على جهة النّسب أي ذاب قرب ، كأنه قال : إنّ رحمة الله ذات قرب ، وإما على أن كلمة (قريب) إذا استعملت في قرب المسافة أو قرب الزمن ، فإنها تجيء مع المؤنث بتاء ، وقد تجيء بغير تاء. والمعنى أن إجابة الدعاء تكون قريبة الحصول في زمان يسير إذا كان الدّاعون محسنين في دعائهم ، غير معتدين بالإفساد أو الظلم أو مخالفة أوامر الله ونواهيه. ويفهم منه : ليس لله في حقّ الكافر رحمة ولا نعمة في الآخرة.
إثبات البعث والمعاد
لكل شيء في هذا العالم غاية ومقصد ، وحكمة وهدف ، وإذا كان الناس في الحياة الدنيا يعيشون ويموتون ، ويتفاوتون في أعمالهم ومدى استقامتهم وعصيانهم ، ثم لا يكون هناك عالم آخر يحقق التّناصف بينهم ، فلا طعم لهذه الحياة ، ولا عدل في الإيجاد والخلق والوجود في الدنيا. والله تعالى منزه عن الظلم ، متّصف بالقسط التّام والعدل الدقيق الشامل ، فاقتضى عدله وإنصافه جمع الناس ليوم المعاد والآخرة