قال ابن عباس : (هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّه لمّا حجّ البيت نزل عليه جبريل عليهالسلام وهو واقف بعرفة بقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية (١) ، ثمّ نزل بعد ذلك هذه الآية (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ). قال (٢) : يا رسول الله ، ضعها على رأس ثمانين ومائتي آية من سورة البقرة (٣) ، فقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد هذه الآية بتسعة أيّام) (٤).
قال المفسرون : لمّا نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(٥) قال : [يا ليتني أعلم متى ذلك] فأنزل الله هذه الآية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)(٦) ، قال : [أما إنّ نفسي نعيت إليّ] ثم بكى بكاء شديدا ، فقيل له : يا رسول الله ، أتبكي من الموت وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! فقال : [وأين خوف المطلع ، وأين ضيق القبر وظلمة اللّحد ، وأين القيامة والأهوال] فعاش رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه الآية عاما ؛ ثم نزل قوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)(٧) فعاش رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه الآية عامها بستة أشهر.
ثم لمّا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حجّة الوداع نزل عليه في الطريق (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) إلى آخرها (٨) ، ثم نزل بعدها وهو واقف بعرفة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية ، فعاش بعدها إحدى وثمانين ليلة ، ثم نزل بعدها آيات
__________________
(١) المائدة / ٣.
(٢) في أصل المخطوط : (قالوا) ، والصحيح كما أثبتناه : (قال) لأن القائل هو جبريل عليهالسلام ، ثم إن ترتيب آيات السورة توقيف.
(٣) في الدر المنثور : ج ٢ ص ١١٦ ؛ قال السيوطي : «أخرجه أبو عبيد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، من طرق عن ابن عباس». وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٣٢٤ ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقاة».
(٤) اختلف أهل التفسير والأثر في مدة بقاء الرسول صلىاللهعليهوسلم بعدها ، فمنهم من قال : عاش واحدا وثمانين يوما ، وقيل : واحدا وعشرين يوما. وسيأتي تفصيل بيانه في الفقرة بعدها.
(٥) الزمر / ٣٠.
(٦) النصر / ١.
(٧) التوبة / ١٢٨.
(٨) النساء / ١٧٦.