في مالك. فيفعلان ذلك ؛ فإذا قيل لهم : إن هذا ربا ؛ قالوا : هما سواء ؛ والزيادة في آخر البيع بعد الأجل كالزيادة في أوّل البيع إذا بعت بالنسيئة سواء. وليس الأمر كما توهّموا ؛ لأن الزيادة في الثمن في آخر البيع لأجل الإبعاد في الأجل بعدما صار الثمن دينا في الذمة يكون عوضا عن الأجل ؛ والاعتياض عن الأجل باطل ، وأما الزيادة في الثمن في أصل العقد فتكون مقابلة للبيع ، ويجوز بيع المبيع بثمن قليل وثمن كثير.
قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ؛) أي أحلّ الزيادة في أول البيع وحرّم الزيادة في آخره ؛ قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ؛) أي فمن جاءه زجر من ربه ونهي عن الرّبا فانتهى فله ما مضى من أكله الرّبا قبل النهي ؛ أي لا إثم عليه في ذلك ، وأمره فيما بقي من عمره إلى الله ؛ إن شاء عصمه وإن شاء لم يعصمه. وقيل : معناه : (فَلَهُ ما سَلَفَ) أي له ما أخذ من الربا قبل التحريم ، (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) في المستأنف في العفو والتجاوز.
وإنّما لم يقل : فمن جاءته موعظة من ربه ؛ لأن تأنيث الموعظة ليس بحقيقيّ ، فيجوز تذكيره ويجوز أن ينصرف إلى المعنى ، كأنه قال : فمن جاءه وعظ ونهي من ربه عن الرّبا.
قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٧٥) أي من عاد إلى أكل الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها) دائمون إلى ما شاء الله. وقيل : معناه : من عاد بعد النهي إلى قوله إنّما البيع مثل الربا ؛ فأولئك أهل النار هم فيها مقيمون ؛ لأن مستحلّ الربا كافر لإنكاره آية من كتاب الله تعالى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [سيأتي على النّاس زمان لا يبقى أحد إلّا أكل الرّبا ، وإن لم يأكله أصابه من غباره](١). وعن عبد الله بن مسعود قال : (آكل الرّبا ومؤكّله وكاتبه وشاهده إذا علموا به ؛ ملعونون على لسان محمّد صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن : كتاب البيوع والإجارات : باب في اجتناب الشبهات : الحديث (٣٣٣١). وابن ماجة في السنن : كتاب التجارات : الحديث (٢٢٧٨).