عن أصلاحها لصغرهم ؛ وعجزه وعجزهم من أن يغرسوا مثلها ، لا يردّ عليه شبابه وقوته ليغرس ، فيحزن ويغتمّ ويهلك أسفا وتحسّرا على ذلك ، فلا هو يجد شيئا يعيشه ولا مع أولاده شيء يعودون به عليه ، فبقي هو وأولاده فقراء عجزة متحيرين لا يقدرون على حيلة ، فكذلك يبطل الله صدقة هذا المرائي والمنافق والمانّ بصدقته ؛ حيث لا يسمع مستغيث لهما ولا توبة ولا إقالة ، يحرم أجرها عند أفقر ما يكون إليها ، ويرى في القيامة أعماله هباء منثورا ، ولا يؤذن له في الرجوع إلى الدنيا ليتصدّق وليكون من الصالحين.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢٦٦) أي كهذا البيان الذي بيّن الله لكم فيما تقدّم ؛ ويبيّن لكم الدلالات والعلامات لكي تتفكّروا فتعتبروا.
فإن قيل : قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) فعل مستقبل ، وقوله : (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) فعل ماض ، فكيف عطف الماضي على المستقبل؟ والجواب من وجهين :
أحدهما : أن (قد) ها هنا مقدّرة ؛ المعنى وقد أصابه الكبر ، فيكون للحال كما قال في آية أخرى : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ)(١) أي قد قدّ.
والثّاني : أنّ (يَوَدُّ) يقتضي أن يكون في خبره (لو) كما في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)(٢) وقوله : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)(٣) ويقتضي أن يكون في أخبره (أَنْ) كما في هذه الآية و (لو) للماضي ، و (أن) للمستقبل. ثم قد تستعمل (لو) مكان (إن) ؛ و (ان) مكان (لو) يقام أحدهما مقام الآخر ، ويقول الإنسان : أنا أتمنّى لو كان لي ولد ، ويقول : أتمنّى إن كان لي ولد. وإذا كان معنى التمنّي قد يقع على الماضي صحّ عطف الماضي عليه.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ؛ أي أنفقوا من خيار ما كسبتم ، وخياره نظيره قوله
__________________
(١) يوسف / ٢٧.
(٢) البقرة / ٩٦.
(٣) النساء / ٨٩.