على ساحل البحر ، تنقضّ عليها طيور السّماء فتأخذ منها بأفواهها فتأكله ، ويسقط من أفواهها في البحر فيأكل منه الحيتان ، وتجيء السّباع فتأخذ منه عضوا. فوقف متعجّبا!! وقال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) أي أولم تصدّق بأنّي أحيي الموتى؟ (قال بلى) عرفت ، ولكن أحببت أن أعلم كيف تحيي هذه النّفس الّتي أرى بعضها في بطون السّباع ؛ وبعضها في بطون الحيتان ؛ وبعضها في حواصل الطّير. فذلك قوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). وقيل : معنى (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي ليسكن قلبي أنك الذي أعطيتني ما سألتك. وقيل : إنك اتّخذتني خليلا.
(قالَ) الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ؛) وذلك أنّ إبراهيم عليهالسلام لما مرّ بالجيفة وقد توزّعتها الطيور والسباع والحيتان ، تعجّب وقال : يا رب قد علمت بأنك تجمعها من بطون السباع وحواصل الطير وبطون الحيتان ، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك فأزداد يقينا؟ قال الله تعالى له : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ. قالَ بَلى) يا رب آمنت وليس الخبر كالمعاينة والمشاهدة.
وقال ابن زيد : (مرّ إبراهيم عليهالسلام بحوت ميت نصفه في البحر ونصفه في البرّ ، فما كان في البحر فدوابّ البحر تأكله ، وما كان في البرّ فدوابّ البرّ تأكله ، فقال إبليس لعنة الله عليه : يا إبراهيم ، متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟! فقال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ. قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بذهاب وسوسة الشّيطان ويصير الشّيطان خاسئا صاغرا).
وروي أنّ نمرود قال لإبراهيم : أنت تزعم أن ربك يحيي الموتى وتدعوني إلى عبادته ، فقل له يحيي الموتى إن كان قادرا ، وإلّا أقتلك. فقال إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بأني أحييهم ، ف (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بقوة حجّتي ونجاتي من القتل ، فإنّ عدوّ الله توعّدني بالقتل إن لم تحيي له ميتا.
وقال ابن عباس وابن جبير والسديّ : (لمّا اتّخذ الله إبراهيم خليلا ، سأل ملك الموت ربّه أن يأذن له فيبشّر إبراهيم بذلك ، فأذن له ، فأتى إلى إبراهيم وقال : يا إبراهيم ، جئت أبشّرك بأنّ الله اتّخذك خليلا ، فحمد الله تعالى ؛ وقال : ما علامة