لاشمويل : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، قال لهم : لعلّكم إذا بعث الله لكم ملكا وفرض عليكم القتال تجبنوا عن القتال فلا تقاتلوا!!
وإنّما قال ذلك متعرّفا ما عندهم من الحدّ وذلك قوله تعالى : (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) ؛ ومعناه : قال لهم نبيّهم عسى ربّكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك أن لا تفوا بما تقولون ولا تقاتلون معه ، و (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ) ؛ «قالوا : وأيّ شيء لنا» في ترك القتال في سبيل الله ، وقيل معناه : وليس لنا أن نمتنع عن قتال عدوّنا في طلب مرضاة الله ، (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) أي وقد أخلونا من منازلنا وسبوا ذرارينا.
ومعنى الإخراج من الأبناء : أنه لمّا كان الإخراج من الديار يؤدّي إلى مفارقة الأبناء قالوا : أخرجنا من ديارنا وأبنائنا. ويجوز أن يكون على وجه الاتباع كما يقال : متقلّد سيفا ورمحا.
فإن قيل : ما وجه دخول (أن) في قوله (أَلَّا نُقاتِلَ) والعرب ما تقول : ما لك أن لا تفعل كذا ، وإنّما يقولون : ما لك لا تفعل؟ قيل : دخول (أن) وجد فيها لغتان فصيحتان. فدليل إثباتها قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(١) و (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ)(٢). ودليل حذفها قوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٣).
واختلفوا في قراءة قوله تعالى : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ) قرأ بعضهم (نقاتل) بالرفع على معنى فإنّا نقاتل ، وأكثرهم على (نقاتل) بالجزم على جواب الأمر. وقرأ أبو عبد الرحمن السلميّ : (يقاتل) بالياء والجزم ؛ جعل الفعل للملك ، كذلك قوله تعالى : (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا) قرأ عمر (وَقَدْ أخْرِجْنا) بفتح الهمزة والجيم ؛ يعني العدوّ.
وقوله عزوجل : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ؛ فيه حذف ؛ معناه : فبعث الله لهم ملكا وكتب عليهم القتال ؛ (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) ؛ أي لمّا فرض عليهم أعرضوا عنه وضيّعوا أمر الله عزوجل إلا قليلا منهم ،
__________________
(١) الأعراف / ١٢.
(٢) الحجر / ٣٢.
(٣) الحديد / ٨.