وروي أن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد زوجها بأيّام ؛ فأرادت أن تتزوّج ، فمرّ بها أبو السّنابل فقال : أتريدين أن تتزوّجي؟ قالت : نعم ، قال : كلّا ، إنّه آخر الأجلين ، فأتت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فذكرت له ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [كذب أبو السّنابل ، إذا أتاك من يريد ذلك فأعلميني](١). وجميع أهل التفسير على أن هذه الآية ناسخة لقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)(٢) وإن كانت هذه الآية متقدمة على تلك الآية في التلاوة.
وأجمع الفقهاء إلا أبا بكر الأصم أن (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) عدّة الحرّة دون الأمة ؛ وأن عدّة الأمة تنقضي بشهرين وخمسة أيّام. وكان أبو بكر الأصمّ يقول : (إنّ عدّتهما جميعا تنقضي بأربعة أشهر وعشرا ؛ فإنّ ولد الأمة إنّما ينفخ فيه الرّوح في الوقت الّذي ينفخ فيه الرّوح في ولد الحرّة). والجواب عن هذا أن يقال : إن خبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أخبار الآحاد لا يوجب حقيقة العلم. ولما أجمعوا على أن الرّقّ ينصّف عدد الأقراء وعدّة الشهور في الآيسة والصغيرة ؛ كذلك وجب أن ينصّف عدّة الوفاة (٣).
قوله عزوجل : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ؛) الآية ، قال ابن عباس : (التّعريض : هو أن يقول الرّجل للمعتدّة : إنّي أريد النّكاح وأحبّ المرأة من صفتها كذا وكذا ؛ فيصفها بالصّفة الّتي
__________________
(١) مخرج في الصحيحين ؛ أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٩٩) ، وفي كتاب الطلاق : الحديث (٥٣١٨). ومسلم في الصحيح : كتاب الطلاق : باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها : الحديث (٥٦ / ١٤٨٤).
(٢) البقرة / ٢٤٠.
(٣) خبر الآحاد حجة في البيان لمعرفة دلالة النص الشرعي على الأفكار والأحكام ؛ وحجة أبي بكر الأصم على فهمه ظاهر الآية ، ثم ظاهر حديث أبي مسعود رضي الله عنه. فإذا جاء نص في الفصل حكم به ، وفي جامع الأحكام : ج ٣ ص ١٨٣ ؛ قال القرطبي : «قول الأصم صحيح من حيث النظر ؛ فإن الآيات الواردة في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرّة. فعدة الحرّة والأمة سواء على هذا النظر ، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة ، كما استوت الأمة والحرّة في النكاح ، فكذلك تستوي معها في العدة. والله أعلم».