وفي الآية دليل على جواز نكاح المرأة على نفسها إذا عقدت بغير وليّ ؛ لأنّ الله تعالى أضاف العقد إليها ونهى الوليّ عن عضلها إذا تراضى الزوجان بالمعروف. ويدلّ على ذلك قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا.) وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
قوله عزوجل : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ؛) أي والمطلّقات اللّاتي لهن أولاد من أزواجهن المطلّقين ولدنهم قبل الطلاق أو بعده ؛ وقوله : (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) لفظه لفظ الخبر ومعناه : الأمر ، كأنه قال : لترضع الوالدات أولادهنّ ، كما قال تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) يدلّ على ذلك أنه لو كان قوله : (يُرْضِعْنَ) خبرا لما وجد مخبره على خلاف ما أخبر الله به ؛ فلما كان من الوالدات من لا ترضع ؛ علم أنه لم يرد به الخبر ؛ فكان هذا محمولا في حال قيام النكاح على الأوامر الواجبة من طريق الدين لا من جهة الحكم ؛ فإنّها إذا امتنعت من الإرضاع لم يكن للزوج أن يجبرها على ذلك من حيث الحكم ، وإن أرضعت لم تستحقّ نفقة الرضاع مع بقاء الزوجية ، ولا يجتمع لها نفقتان.
وفي الآية إثبات حقّ الرضاع للأم ، وبيان مدة الرضاع للمستحق على الوالد ، فإنّ الولد لو امتنع من الإرضاع في الحولين أجبر عليه كما قال تعالى في آية المطلقات : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)(١) وقال : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى).
فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) والحولان لا يكونان إلا كاملين؟ قيل : لإزالة الإبهام ؛ فإنّ الإنسان قد يقول : أقمت عند فلان سنتين ؛ إذا كان قريبا من سنتين ، وسرت شهرا ؛ إذا كان قريبا من شهر ، فبيّن الله تعالى أنّهما حولان كاملان : أربعة وعشرون شهرا من يوم يولد إلى أن يفطم.
وقوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) أي لمن أراد من الآباء أن يتمّ الرضاعة المفروضة عليه ؛ أي هذا منتهى الرضاعة وليس فيما دون ذلك وقت محدود ، وإنما هو على مقدار إصلاح الصبيّ وما يعيش به.
__________________
(١) الطلاق / ٦.