(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(١) قال رجل : يا رسول الله! كيف ندعو ربّنا؟ ومتى ندعوه؟ فأنزل الله هذه الآية) (٢). وقال الضحّاك : (سأل بعض الصّحابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أقريب ربّنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية).
قال أهل المعاني : فيه إضمار كأنه قال : فقل لهم يا محمّد وأعلمهم أني قريب منهم بالعلم.
قوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) ؛ فإن قيل : ما وجه هذه الآية وقوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقد يدعوه كثير من خلقه فلا يجيب دعاءه؟! قلنا : اختلف العلماء في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى الدعاء هنا الطاعة ، ومعنى الإجابة الثّواب. كأنه قال : أجيب دعوة الدّاعي بالثواب إذا أطاعني.
وقيل : معناه الخصوص ؛ وإن كان اللفظ عامّا ، أي أجيب دعوة الدّاعي إن شئت (٣) ، وأجيب دعوة الداعي إذا وافق القضاء ، وأجيب دعوة الداعي إذا كانت الإجابة له خيرا. ويدلّ عليه ما روي عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إمّا أن يعجّل دعوته ؛ وإمّا أن يدّخر له في الآخرة ؛ وإمّا أن يدفع عنه من السّوء مثلها] ، قالوا : يا رسول الله إذن نكثر؟ قال : [الله أكثر](٤).
__________________
(١) غافر / ٦٠.
(٢) رواهما الطبري في جامع البيان : النصوص (٢٣٨٣) و (٢٣٨٨).
(٣) في أصل المخطوط : الورقة (٤٠): (إذا تثبت). وهو تصحيف ، وقد ضبطته على تفسير الثعلبي : ج ٢ ص ٧٥. وعلى ما يبدو من متابعته أنه ينقل كثيرا من الطبراني وربما يختصر أو يضيف الاسناد لمروياته.
(٤) رواه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ١٨. وابن عبد البر في التمهيد : آخر باب زيد بن أسلم : ج ٢ ص ٦٥٢ : النص (١٢١ / ٥١). وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ٢ ص ٣١٠ ؛ قال القرطبي : «خرجه أبو عمر بن عبد البر ، وصححه أبو محمّد عبد الحق ، وهو في الموطأ منقطع السند. قال أبو عمر : وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند». وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ج ١٠ ص ١٤٨ ؛ قال الهيثمي : «رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه ، والبزار والطبراني في الأوسط ، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح ، غير علي بن علي الرفاعي ، وهو ثقة».