و «قال» بعضهم : هو عامّ وليس فيه أكثر من إجابة الدعوة ؛ فأما إعطاء الأمنية وقضاء الحاجة ، فليس بمذكور. وقد يجيب السيد عبده ؛ والوالد ولده ، ولا يعطيه سؤاله ؛ فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة ؛ لأن قوله : أجيب وأستجيب هو خبر ؛ والخبر لا يعترض عليه النسخ ؛ لأنه إذا نسخ صار المخبر كذّابا ، فتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
ودليل هذا التأويل ما روى ابن عمر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [من فتح له باب في الدّعاء فتحت له أبواب الإجابة](١). وأوحى الله إلى داود عليهالسلام : [قل للظّلمة لا يدعوني ، فإنّي أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني ؛ وإنّي إذا أجيب الظّالمين لعنتهم](٢). وقيل : إن الله تعالى يجيب دعاء المؤمن في الوقت ، إلا أنه يؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته. يدل عليه ما روى جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ العبد ليدعو الله تعالى وهو يجيبه ؛ فيقول : يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وأخّرها ؛ فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته. وإنّ العبد ليدعو الله وهو يبغضه ؛ فيقول : يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وأعجلها ؛ فإنّي أكره أن أسمع صوته](٣).
وبلغنا عن يحيى بن سعيد قال : «رأيت ربّ العزّة في المنام فقلت : يا رب ، كم أدعوك فلم تستجب لي؟ فقال : يا يحيى ، إنّي أحبّ أن أسمع صوتك».
وقال بعضهم : إن للدعاء آدابا وشرائط هي أسباب الإجابة ونيل الأمنية ، فمن راعاها واستكملها كان من أهل الإجابة ، ومن أغفلها وأخلّ بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء. وقيل : ما من أحد يدعو الله تعالى على ما توجبه الحكمة إلا وهو يجيب دعاءه. والدعاء على شرط الحكمة أن يقول : اللهم افعل لي كذا ، أو كذا إن لم يكن مفسدة في ديني وفيما يرضيك عني.
__________________
(١) رواه ابن أبي شيبة في المصنف : ج ٦ ص ٢٢ : الحديث (٢٩١٥٩). والترمذي في الجامع : كتاب الدعوات : الحديث (٣٥٤٨) ، وقال : «هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن ابن أبي بكر القرشي ، وهو ضعيف في الحديث ، ضعّفه بعض أهل العلم من قبل حفظه».
(٢) ذكره أيضا الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٢ ص ٧٥.
(٣) كنز العمال : النص (٣٢٧٤) عن أنس وجابر معا ، وعزاه إلى تهذيب تاريخ ابن عساكر ، وقال : وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، متروك.