إلى أيّام النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكانت العرب في الجاهلية تعتقد ذلك في الحرم ، ويستعظم القتل فيه. كان الرجل منهم يؤوي إليه قاتل أبيه فلا يتعرّض له. ومن الأمن الذي جعله الله فيه : اجتماع الصيد والكلب ولا يهيج الكلب الصيد ، ولا ينفر الصيد من الكلب حتى إذا خرجا منه عدا الكلب على الصيد ، وعاد الصيد إلى الهرب.
قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) ؛ قرأ شيبة ونافع وابن عامر والحسن : (واتّخذوا) بفتح الخاء على الخبر. وقرأ الباقون بالكسر على الأمر. قال ابن كيسان : (ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرّ بالمقام ومعه عمر رضي الله عنه ؛ فقال : يا رسول الله ؛ أليس هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال : [بلى]. قال : أفلا تتّخذه مصلّى؟ قال : [لم أومر بذلك]. فلم تغب الشّمس من يومه حتّى نزل : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(١).
وعن أنس بن مالك قال : قال عمر رضي الله عنه : (وافقني ربي في ثلاث : قلت : لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى ؛ فأنزل الله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى.) وقلت : يا رسول الله ؛ إنّه يدخل عليك البرّ والفاجر ؛ فهلّا حجّبت أمّهات المؤمنين؟ فأنزل الله آية الحجاب. قال : وبلغني شيء كان بين أمّهات المؤمنين وبين النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فاستفزّ منهنّ. أقول : لتكفّنّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو ليبدّلنّه الله أزواجا خيرا منكنّ حتّى أتيت على آخر أمّهات المؤمنين ، فقالت أمّ سلمة : يا عمر ؛ ما في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من يعظ نساءه حتّى تعظهنّ. فأمسكت. فأنزل الله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ)(٢)) (٣).
واختلفوا في قوله تعالى : (مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) ؛ قال النخعيّ : (الحرم كلّه من مقام إبراهيم) (٤). وقيل : المسجد كلّه مقام إبراهيم. وقال قتادة ومقاتل والسديّ : (هو الصّلاة عند مقام إبراهيم ؛ أمروا بالصّلاة عنده ولم يؤمروا بمسحه ولا تقبيله).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان عن أنس : النص (١٦٢٩).
(٢) التحريم / ٥.
(٣) رواه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٤٨٣).
(٤) في الدر المنثور : ج ١ ص ٢٩١ ؛ قال السيوطي : «أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس».