خاصمت اليهود بذلك ، فبرّأ الله سليمان وأنزل هذه الآية. قوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) أي بالسّحر ؛ فإن السحر كفر (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا)(١).
قرأ أهل الكوفة إلا عاصما ؛ وأهل الشام بتخفيف النون ورفع الشياطين ؛ وكذلك في الأنفال : (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٢). وقرأ الباقون بالتشديد ونصب ما بعده.
قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ؛) قال بعضهم : السّحر : العلم والحذق بالشيء ؛ قال الله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ)(٣) أي العالم. وقال بعضهم : هو التّمويه بالشيء حتى يتوهّم أنه شيء ولا حقيقة له كالسراب عند من رآه ، قال الله تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى)(٤).
قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ ،) محلّ (ما) نصب بإيقاع التعليم عليه ، معناه : ويعلّمون الذي أنزل على الملكين. ويجوز أن يكون نصبا بالاتباع ؛ أي واتبعوا ما أنزل على الملكين. قرأ ابن عباس والحسن والضحاك ويحيى وابن كثير : بكسر اللام من (الملكين) وقال : هما رجلان ساحران كانا ببابل ؛ لأن الملائكة لا يعلمون الناس السحر.
قوله تعالى : (بِبابِلَ) ؛ هي بابل العراق. قوله تعالى : (هارُوتَ وَمارُوتَ) اسمان سريانيّان ؛ وهما في محل الخفض على تفسير الملكين بدلا منهما ، إلا أنّهما فتحا لعجمتهما ومعرفتهما. وكانت قصتهما على ما حكاه ابن عباس والمفسرون : أن الملائكة رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة وذنوبهم الكثيرة وذلك زمن إدريس عليهالسلام ، فعيّروهم بذلك ؛ وقالوا : هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض واخترتهم ؛ فهم يعصونك! فقال الله تعالى : لو أنزلتكم إلى الأرض وركّبت فيكم ما
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٣٦٦).
(٢) الآية / ١٧.
(٣) الزخرف / ٤٩.
(٤) طه / ٦٦.