قوله تعالى : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ ؛) أي قل لهم يا محمّد : بشرّ ما يأمركم به إيمانكم من عبادة العجل من دون الله ؛ أي بشرّ الإيمان إيمان يأمركم بالكفر. وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٩٣) ؛ أي إن كنتم مؤمنين بزعمكم ؛ لأنّهم قالوا : نؤمن بما أنزل علينا ، فكذّبهم الله عزوجل.
قوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ ؛) هذا جواب قول اليهود : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)(١) و (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً)(٢). وقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)(٣) فكذّبهم الله وألزمهم الحجة فقال : قل لهم يا محمّد : (إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) ؛ يعني الجنّة ؛ (خالِصَةً ؛) أي خاصّة. وقيل : صافية ، (مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ؛) أي فاسألوا الله الموت ؛ فإنّ من كان بهذه الصفة فالموت خير له ولا سبيل إلى دخول الجنّة إلا بعد الموت.
وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٤) ؛ أي في قولكم ؛ فقولوا : اللهم أمتنا. فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : بعد نزول هذه الآية : [إن كنتم صادقين في مقالتكم فقولوا : اللهمّ أمتنا ، فو الّذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه] فأبوا أن يفعلوا ذلك (٤).
قال ابن عبّاس : عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لو قالوا ذلك ما بقي على وجه الأرض يهوديّ إلّا مات](٥) فلمّا لم يقولوا ذلك أنزل الله عزوجل قوله تعالى : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ؛) أي أسلفت من المعاصي وكتمان صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقوله : (أبدا) يعني هي مدّة العمر. وأما بعد ذلك فإنّهم يتمنّونه في الآخرة وقت مشاهدة العذاب. وإنّما أضاف إلى الأيدي ؛ لأنّ أكثر المعاصي تكون باليد. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٩٥).
__________________
(١) البقرة / ١١١.
(٢) البقرة / ٨٠.
(٣) المائدة / ١٨.
(٤) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة : ج ٦ ص ٢٧٤ بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ؛ طبعة دار الكتب العلمية ، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي.
(٥) في الدر المنثور : ج ١ ص ٢٢٠ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس». وأخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٢٩٨).