فلما حذف (أن) الناصبة عاد الفعل إلى المضارعة. وقرأ أبيّ بن كعب : (لا تعبدوا) جزما على النّهي ؛ أي وقل لهم : لا تعبدوا إلّا الله.
ومعنى الآية : أمرناهم بإخلاص العبادة لله عزوجل ، (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ؛ أي وصّيناهم بالوالدين إحسانا برّا بهما ؛ وعطفا عليهما. وإنّما قال : (وَبِالْوالِدَيْنِ) وأحدهما والدة ؛ لأن المذكّر والمؤنّث إذا اقترنا غلب المذكر لخفّته وقوّته.
قوله عزوجل : (وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) ؛ أي وبذي القربى. ووصّيناهم بصلة الرّحم. واليتامى : جمع يتيم ؛ وهو الطفل الذي لا أب له.
والمساكين : الفقراء. وقوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ؛ اختلف القرّاء فيه؟
فقرأ زيد بن ثابت وأبو العالية وعاصم وأبو عمرو ونافع بضمّ الحاء وجزم السّين ؛ وهي قراءة أبي حاتم ، ودليله قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(١) وقوله : (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ)(٢).
وقرأ ابن مسعود وحمزة والكسائي وخلف : (حسنا) بفتح الحاء والسّين ؛ وهو اختيار أبي عبيد. قال : إنّما آثرناها ؛ لأنّها نعت بمعنى قولا حسنا. وقرأ عيسى بن عمر بضمّ الحاء والسّين والتنوين ؛ وهو لغة مثل (النّصب والسّحت). وقرأ عاصم الجحدري (إحسانا) بالألف. وقرأ أبي بن كعب وطلحة بن مصرف (حسني) بالتأنيث مرسلة ؛ ومجازه كلمة حسنى.
ومعنى الآية : أيّها الرّؤساء من اليهود قولوا للسّفلة قولا حسنا ؛ أي حقّا وصدقا ، وبيّنوا لهم صفة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كما في التّوراة ، ولا تكتموها ، ولا تغيّروا صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم. هذا قول ابن عبّاس وابن جبير وابن جريج ومقاتل. ودليله قوله تعالى : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً)(٣) أي صدقا. وقيل : معناه : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر.
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (٨٣) ؛ (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أي ثم أعرضتم عن العهد
__________________
(١) النساء / ٣٦.
(٢) النمل / ١١.
(٣) طه / ٨٦.