قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ ؛) أي قلنا : كلوا من المنّ والسلوى واشربوا من الماء ؛ فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم به بلا مشقّة ولا مؤنة ولا تعب.
قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠) ، العيث والعثواء : شدّة الفساد ؛ وإنّما جمع بين العيث والفساد وإن كان معناهما واحدا تأكيدا كما يقال : كذب وزور ؛ وظلم وجور ؛ أي قيل لهم : كلوا واشربوا ولا تسرعوا إلى الفساد في الأرض عاثيين. والدليل على أن العيث هو الفساد قول الشاعر (١) :
لولا الحياء وأنّ رأسي قد عثى |
|
فيه المشيب لزرت أمّ القاسم |
قوله عزوجل : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ؛) وذلك أنّهم وحموا (٢) المنّ والسّلوى وملّوهما. قال الحسن : كانوا أناسا أهل كراش (٣) ؛ كرّاث ؛ وأبصال ؛ وأعداس ؛ ففزعوا إلى عكرهم عكر السّوء ؛ واشتاقت طبائعهم إلى ما جرت عليه عاداتهم ؛ فقالوا : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) يعنون به المنّ والسلوى. وإنما قال : (طَعامٍ واحِدٍ) وهما اثنان ؛ لأن العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد ؛ وعن الواحد بلفظ الاثنين ؛ كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)(٤) وإنما يخرج من الملح دون العذب. وقال عبد الرحمن بن يزيد : (كانوا يعجنون المنّ والسّلوى ليصير طعاما واحدا فيأكلونه).
قوله تعالى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها) ، قرأ يحيى بن وثّاب وطلحة بن مصرف : (وقثائها) بضم القاف ، وهي
__________________
(١) ابن بري ينشد لعدي ، هو ابن الرقاع. ينظر ديوانه : ص ٩٩. ولسان العرب : (جسم).
(٢) الوحم : شدّة شهوة الحبلى لشيء تأكله ، ثم يقال لكلّ من أفرطت شهوته في شيء. ويقال : وحمى لمن يطلب شيئا لا حاجة له فيه من حرصه. لسان العرب : مادة (وحم).
(٣) الكرش ـ بالفتح والكسر ـ : هو كل مجترّ ، وكرشاء : كثيرة اللحم ، واستكرش الصبيّ : عظمت كرشه ، واستكرش الجدي : حين يعظم بطنه ويشتدّ أكله.
(٤) الرحمن / ٢٢.