تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وهذه الآية خاصّة فيمن حقّت عليه كلمة العذاب والشقاوة في سابق علم الله.
قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ.) أي طبع على قلوبهم ؛ والختم والطبع بمعنى واحد ؛ وهو التغطية للشيء. والمعنى طبع الله على قلوبهم ؛ أي
__________________
ـ نَباتُهُ) يعني الزرّاع لأنهم يغطون الحبّ. والكافر من الأرض : ما بعد عن الناس لا يكاد ينزله ولا يمر به أحد ، من حلّ بتلك المواضع فهم أهل الكفور.
واستعمل لفظ الكفر في القرآن على أربعة أضرب : الأول : أعظمها وهو جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، وهو أن إقرار الفطرة بالمعرفة الواضحة الضرورية يستره الكافر بالجحود ؛ أي بجحود الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٦].
الثاني : إنكار المعرفة ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩]. وقال الله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) [النحل / ١٠٦].
الثالث : الكفر بمعنى ضد الشكر ، والفرق بين الكفر ضد الإيمان والكفر ضد الشكر أن الأول يتعدى بالباء نحو قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) [البقرة : ٢٥٦] ، ومثال الثاني : يتعدى بنفسه قال الله تعالى : (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل / ٤٠]. وقال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم / ٧].
الرابع : استعمل لفظ الكفر للدلالة على البراءة من الكفار ، قال الله تعالى : (إِنَّنِي بَراءٌ) (مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ) (مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) [الممتحنة : ٤] أي تبرأنا منكم ، وقوله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) [العنكبوت : ٢٥].
وخلاصة القول : إن الكفر أربعة أنواع : الأول : كفر الإنكار ، وهو أن يكفر بقلبه ولسانه ، وأن لا يعترف بما يذكر له من التوحيد. والثاني : كفر الجحود ، وهو أن يعرف بعقله ويطمئن قلبه ولا يقر بلسانه. والثالث : كفر عناد ، وهو أن يعرف بعقله ويطمئن قلبه ويقر بلسانه ولا يدين به ككفر أبي جهل. والرابع : كفر نفاق ، وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه. والجميع سواء ؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين.
وفي الكليات : ص ٧٦٥ ؛ قال الكفوي : «والكافر اسم لمن لا إيمان له ، فإن أظهر الإيمان فهو المنافق ، وإن طرأ كفره بعد الإيمان فهو المرتدّ ، وإن قال بإلاهين أو أكثر فهو المشرك ، وإن كان متديّنا ببعض الأديان والكتب المنسوخة فهو الكتابيّ ، وإن قال بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه فهو الدهريّ ، وإن كان لا يثبت الباري فهو المعطّل ، وإن كان مع اعترافه بنبوّة النبيّ يبطن عقائد هي كفر بالاتفاق فهو الزنديق».