وعن ابن عباس رضي الله عنهما : (أنّ معنى (الم) : أنا الله أعلم وأرى ، و (المص) : أنا الله أعلم وأفصل ، و (كهيعص) : الكاف من كاف ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصّاد من صادق). ويقال : الألف : مفتاح اسمه الله ؛ واللام : لطيف ، والميم : مجيد ، ومعناه اللطيف المجيد أنزل الكتاب. ويقال : الألف : الله ، واللام : جبريل ، والميم : محمّد ، معناه : الله أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن. وقيل : هذا قسم أقسم الله به أنّ هذا الكتاب الذي أنزل على محمّد هو الكتاب الذي عند الله ، وجوابه : (لا رَيْبَ فِيهِ.) وقال محمّد بن كعب : (الألف آلاء الله ، واللّام لطفه ، والميم ملكه). وقال أهل الإشارة : الألف أنا ، واللّام لي ، والميم منّي.
فصل : وهذه الحروف موقوفة ؛ لأنّها حرف هجاء ، وحروف الهجاء لا تعرب كالعدد في قوله : واحد اثنان. ولغاية أدخلوا الواو وحرّكوه ؛ لأنه صار في حدّ الأسماء ، فيقال : ألف ولام كالعدد. وكذلك قال الأخفش : (هي ساكنة لا تعرب).
وقوله : (الم) رفع بالابتداء ؛ و (ذلِكَ) خبره ؛ و (الْكِتابُ) صلة لذلك. ويحتمل أن يكون (الم) خبرا مقدّما تقديره : ذلك الكتاب الذي وعدت أن أوحيه إليك (الم). ومن أبطل محلّ الحروف جعل (ذلِكَ) ابتداء و (الْكِتابُ) خبره. و (الم) صلة ؛ فيكون لذلك معنيان ؛ أحدهما : أن (ذلِكَ) بمعنى ، وقد يستعمل (ذلِكَ) بمعنى (هذا). قال خفاف (١) :
أقول له والرّمح يأطر متنه |
|
تأمّل خفافا إنّنى أنا ذلكا |
أي إنّني هذا أطرا لعود عطفه.
والثاني : على الإضمار ؛ كأنه قال : هذا القرآن (ذلِكَ الْكِتابُ) الذي وعدت في
__________________
(١) خفاف بن ندبة السلمي ، نقل الطبري الشاهد من شعره في جامع البيان : مج ١ ج ١ ص ١٤٣.
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها |
|
فعمدا على عين تيمّمت مالكا |
والخيل : أي فرسان الغارة ، والصميم : الخالص من كل شيء ، ومالك : هو مالك بن حمار الشمخي الفزاري. والضمير في (له) لمالك. ويأطر متنه : من قولهم : أطر الشّيء يأطره أطرا. أن تقبض على أحد طرفي الشيء ثم تعوجه وتعطفه وتثنيه.
وفيه أن خفافا أظهر اسمه على وجه الخبر عن الغائب وهو يخبر عن نفسه ، فكذلك أظهر (ذلِكَ) بمعنى الخبر عن الغائب ؛ والمعنى فيه : الإشارة إلى الحاضر المشاهد.