الفرقان والرحمن. وجاء في السورة الأولى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) سورة الفرقان آية ٥٣.
وأمّا الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) سورة الرحمن آية ١٩ ـ ٢٠.
إنّ الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور ، وهي أنّه إذا ما التقى نهران في ممر مائي واحد فماء أحدهما لا يدخل (أي لا يذوب) في الآخر. وهناك ، على سبيل المثال ، نهران يسيران في «تشاتغام» بباكستان الشرقية إلى مدينة «أركان» ، في «بورما» ، ويمكن مشاهدة النهرين ، مستقلا أحدهما عن الآخر ، ويبدو أن خيطا يمر بينهما ، حدا فاصلا ، والماء عذب في جانب ، وملح في جانب آخر. وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل ، فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث «المد البحري» ، ولكنهما لا يختلطان ، ويبقى الماء عذبا تحت الماء الأجاج. وهكذا شاهدت عند ملتقى نهري الكنج ، والجامونا ، في مدينة «الله آباد» ، فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما ، ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما من الآخر (١).
إنّ هذه الظاهرة ، كما قلت ، كانت معروفة لدى الإنسان القديم .. ولكنا لم نكشف قانونها إلّا منذ بضع عشرات من السنين. فقد أكدت المشاهدات ، والتجارب أنّ هناك قانونا ضابطا للأشياء السائلة ؛ يسمى «قانون المط السطحي» SurfaceTension ، وهو يفصل بين السائلين ؛ لأنّ «تجاذب» الجزئيات يختلف من سائل لآخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله. وقد استفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون ، الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ). وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء ، كما لم تتعارض مع
__________________
(١) وهو ما كان يشاهد عند التقاء النيل بالبحر الأبيض ، قبل بناء السد العالي.