وقال العلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره لسورة آل عمران ما نصه :
«اعلم أن القرآن كتاب سماويّ. والكتب السماوية تصرح تارة ، وترمز أخرى. والرمز ، والإشارة من المقاصد السامية ، والمعاني ، والمغازي الشريفة. وقديما كان ذلك في أهل الديانات ؛ ألم تر إلى اليهود الذين كانوا منتشرين في المدينة ، وفي بلاد الشرق أيام النبوة كيف كانوا يصطلحون فيما بينهم على أعداد الجمل المعروفة اليوم في الحروف العربية؟ فيجعلون الألف بواحد ، والباء باثنين ، والجيم بثلاثة ، والدال بأربعة ؛ وهكذا مارّين على الحروف الأبجديّة ، إلى الياء بعشرة ، والكاف بعشرين ؛ وهكذا إلى القاف بمائة ، والراء بمائتين ؛ وهكذا إلى الغين بألف ، كما ستراه في هذا المقام.
كذلك ترى أن النصارى في إسكندرية ، ومصر ، وبلاد الروم ، وفي سوريا ، قد اتّخذوا الحروف رموزا دينية معروفة فيما بينهم أيام نزول القرآن. وكانت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية في مصر. وكانوا يرمزون بلفظ «إكسيس» لهذه الجملة : «يسوع المسيح بن الله المخلّص» فالألف من إكسيس هي الحرف الأول من لفظ. «إيسوس» يسوع. والكاف منها هي الحرف الأول من «كرستوس» المسيح. والسين منها هي حرف الثاء التي تبدل منها في النطق في لفظ «ثبو» الله. والياء منها تدل على «إيوث» ابن. والسين الثانية منها تشير إلى «ثوتير» المخلص. ومجموع هذه الكلمات : يسوع المسيح ابن الله المخلّص. ولفظ «إكسيس» اتفق أنه يدل على معنى سمكة ، فأصبحت السمكة عند هؤلاء رمزا لإلههم.
فانظر كيف انتقلوا من الأسماء إلى الرمز بالحرف ، ومن الرمز بالحرف إلى الرمز بحيوان دلّت عليه الحروف. قال الحبر الإنجليزي «صموئيل موننج : «إنه كان يوجد كثيرا في قبور رومة صور أسماك صغيرة مصنوعة من الخشب ، والعظم. وكان كل مسيحي يحمل سمكة إشارة للتعارف فيما بينهم».