المخاطبين أن الذي سيتلى عليهم من الكلام الذي عجزوا عن معارضته ، والإتيان بمثله ، إنما تركب من مثل هذه الحروف التي في الفواتح ، وهي معروفة لهم ، يتخاطبون بما يدور عليها ، ولا يخرج عنها.
ومنهم من قال : إن المقصود منها هو الدلالة على انتهاء سورة ، والشروع في أخرى.
ومنهم من قال : إن المقصود منها القسم بها لإظهار شرفها وفضلها ؛ إذ هي مبنى كتبه المنزلة.
ومنهم من قال : إن المقصود منها بيان نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من ناحية أنه ينطق بأسامي الحروف مع أنه أميّ لم يقرأ ، ولم يكتب. والمعروف أن النطق بأسامي الحروف من شأن القارئ وحده ، لا سبيل للأمي إلى معرفتها ، ولا النطق بها ، فإتيانه بها ، وترديده لها ، دليل ماديّ أمامهم على أنه لا يأتي بهذا القرآن من تلقاء نفسه ، إنما يتلقّاه من لدن حكيم عليم.
ومنهم من قال : إن المقصود منها هو تنبيه السامعين ، وإيقاظهم. وذلك أن قرع السمع في أول الكلام بما يعني النفوس فهمه أو بالأمر الغريب ، دافع لها أن تصغي ، وتتيقظ ، وتتأمل ، وتزداد إقبالا : فهي كوسائل التشويق التي تعرض في مقدمة الدرس على منهج التربية الحديثة في التعليم.
ومنهم من قال : إن المقصود منها سياسة النفوس المعرضة عن القرآن. واستدراجها إلى الاستماع إليه. والمعروف أن أعداء الإسلام في صدر الدعوة كان يقول بعضهم لبعض : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ). فلما أنزلت السّور المبدوءة بحروف الهجاء ، وقرع أسماعهم ما لم يألفوا ، التفتوا ، وإذا هم أمام آيات بيّنات استهوت قلوبهم ، واستمالت عقولهم ، فآمن من أراد الله هدايته ، وشارف الإيمان من شاء الله تأخيره ، وقامت الحجّة في وجه الطغاة المكابرين ، وأخذت عليه الطرق فلا عذر لهم في الدنيا ، ولا يوم الدين.