اعلم أنّ الفاء في (فَارْهَبُونِ) وأمثاله المكررة في القرآن كثيرا فيها قولان :
أحدهما : أنها فاء الجواب المقدر ، تقديره : تنبّهوا ، كقولك ، «الكتاب فخذ» أي تنبّه فخذ الكتاب ، ثمّ قدّم المفعول اصطلاحا للّفظ لئلّا تقع الفاء صدرا ، والقول الثاني : أنها زائدة.
والنون في «فارهبون» ليس نون الجمع لأنها مكسورة ونون الجمع محذوفة جزما ، بل هي نون الوحدة والوقاية تدلّ بكسرها على ياء محذوفة.
وقرأ ابن أبي إسحاق : «فارهبوني» بالياء على الأصل. (١)
قال الطبرسي في «المجمع» : حذف الياء لأنه رأس آية ورؤوس الآي لا تثبت فيها الياء لأنها فواصل ينوي فيها الوقف ، كما يفعل ذلك في القوافي ، وأجمعوا على إسقاط الياء من قوله : «فارهبون» إلّا ابن كثير (٢) ، فإنه أثبتها في الوصل دون الوقف ، والوجه حذفها لكراهية الوقف على الياء ، وفي كسر النون دلالة على ذهاب الياء. (٣)
ويستفاد من جملة (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) حصر الرهبة في الله تعالى ، كما في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ، بل قال الزمخشري : «وهو أوكد في افادة الاختصاص من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ). (٤)
__________________
(١) البحر المحيط لأبي حيّان : ج ١ ص ١٧٦.
(٢) هو عبد الله بن كثير بن عمرو أبو معبد المكي القارئ المقري في مكة المكرّمة ولد بها سنة (٤٥) ه ومات سنة (١٢٠) ه ، غاية النهاية : ج ١ ص ٤٤٣ ـ ٤٤٤.
(٣) مجمع البيان : ج ١ ص ٩٢.
(٤) الكشاف للزمخشري : ج ١ ص ١٣١.