** (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والأربعين .. المعنى : قالوا تشاء منا بك وأصل الفعل : تطيرنا فأدغم قال : شؤمكم وداعية تطيركم هو أن الله قدر عليكم الشقاء وفي قوله «أنتم قوم تفتنون» اجتمعت الغيبة الدالة على «قوم» والمخاطبة وهي «تفتنون» فغلبت المخاطبة لأنها أقوى وأرسخ. والمخاطب في «بك .. معك» هو صالح ـ عليهالسلام ـ يقال : تطير به : أي تشاءم به .. وتطير منه : بمعنى : نفر منه. وقوله : «طائركم» أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله وهو قدره وقسمته إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم ويجوز أن يريد : عملكم مكتوب عند الله فمنه ما نزل بكم عقوبة لكم .. ومنه قوله تعالى في سورة «يس» (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي شؤمكم ملازم لكم .. يقال : فلان ميمون الطائر : أي مبارك الطلعة ويقال : سر على الطائر الميمون : وهو دعاء للمسافر ومن الأمثال العربية قولهم : كأن على رءوسهم الطير .. وقيل : من صفة مجلس رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير : أي إنهم يسكنون ولا يتكلمون والطير لا تسقط إلا على ساكن .. أي هو صفة الوادعين الساكنين .. احتراما وخشوعا .. ومن سكونهم يستطيع الطير أن يحط على رءوسهم .. ويضرب هذا المثل في الرزانة والحلم والركانة ـ أي الوقار ـ حتى كأن على الرءوس طيرا يخاف أصحابها طيرانه فهم سكون لا يتحركون. واللفظتان «الغيبة» و«المخاطبة» مصدران متناقضان أحدهما خلاف الآخر .. فالأول فعله : غاب ـ يغيب ـ غيبا وغيبة ـ من باب «باع» بمعنى : بعد. فهو غائب ـ اسم فاعل ـ عكس حاضر. والمصدر الثاني فعله : خاطب مخاطبة .. نحو : خاطبه مخاطبة : أي كالمه وهو حاضر. وفي أساليب القرآن الكريم اجتمعت الغيبة والمخاطبة في كثير من السور الشريفة منها الآية الكريمة المذكورة آنفا وقد غلبت المخاطبة على الغيبة لأنها أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة ولهذا لم تطابق الصفة «تفتنون» الموصوف «قوم» بقراءة الصفة بالياء أي لم يقل : يفتنون .. للسبب المذكور.
** (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والأربعين .. وفيه حذف مفعول «يصلحون» اختصارا المعنى : لا يصلحون شأنهم أي اتفقوا على قتل صالح و«الرهط» هو جماعة الرجال من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة وإذا أضيف إليه عدد كما في الآية الكريمة المذكورة كان معناه : النفس والشخص وقد ميزت التسعة بالرهط وهو تمييز لأنه في معنى الجماعة أي تسعة رجال أو أنفس.
** (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : المعنى : ودبروا أمرا في الخفاء أي تواطئوا على اغتيال صالح ومكرنا : أي وجازيناهم بإهلاكهم وتعجيل عقوبتهم أو بمعنى : واحتالوا احتيالا ودبرنا أي ودبر الله رد كيدهم في نحرهم وعاقبهم على مكرهم ـ احتيالهم ـ لأن المكر من الله سبحانه محال .. وإنما جاء هذا القول الكريم على ما يسمى في علم البلاغة للمشاكلة والازدواج في الكلام. يقال : مكر ـ يمكر ـ مكرا .. من باب «نصر» بمعنى : احتال. والمكر : هو الاحتيال والخديعة واسم الفاعل منه : ماكر ومكار .. يقال : مكر الله وأمكر : أي جازى على المكر وسمي الجزاء مكرا كما سمي جزاء السيئة سيئة مجازا على سبيل مقابلة اللفظ باللفظ.
** (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة الثانية والخمسين .. المعنى إن في ذلك التدمير لعبرة وعظة لقوم يعلمون قدرتنا فيتعظون .. وحذف النعت المشار إليه «التدمير» اختصارا لأن ما قبله دال عليه كما حذف مفعول «يعلمون» وهو «قدرتنا».