صدق من عندي. وفي ذلك فائدتان ، الأولى : إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار ، لأنّ الله تعالى عظمه وصدّقه. الثانية : تقويته على تحمل مشاق التكليف ، فكأنه تعالى يقول له : إني ما نزلت القرآن عليك متفرّقا إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين ، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك. قال ابن عباس : اصبر على أذى المشركين ثم نسخ بآية القتال. وقيل : اصبر لما يحكم عليك به من الطاعات أو انتظر حكم الله إذ وعدك بالنصر عليهم ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي : الكفرة الذين هم ضد الشاكرين (آثِماً) أي : داعيا إلى إثم سواء كان مجرّدا عن مطلق الكفر أو مصاحبا له (أَوْ كَفُوراً) أي : مبالغا في الكفر وداعيا إليه وإن كان كبيرا وعظيما في الدنيا ، فإنّ الحق أكبر من كل كبير. وقال قتادة : أراد بالآثم والكفور أبا جهل ، وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوسلم نهاه أبو جهل عنها وقال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ على عنقه.
وقال مقاتل : أراد بالآثم عتبة بن ربيعة ، وبالكفور الوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج على أن يترك ذكر النبوّة عرض عليه عتبة ابنته وكانت من أجمل النساء ، وعرض عليه الوليد أن يعطيه من الأموال حتى يرضى ويترك ما هو عليه ، فقرأ عليهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشر آيات من أوّل حم السجدة إلى قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [فصلت : ١٣] فانصرفا عنه. وقال أحدهما : ظننت أنّ الكعبة ستقع عليّ.
فإن قيل : كانوا كلهم كفرة فما معنى القسمة في قوله : (آثِماً أَوْ كَفُوراً) أجيب : بأنّ معناه : ولا تطع منهم راكبا لما هو إثم داعيا لك إليه أو فاعلا لما هو كفر داعيا لك إليه ؛ لأنهم إمّا أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر أو غير إثم ولا كفر ، فنهي أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث.
ثم قال فإن قيل : معنى أو : ولا تطع أحدهما فهلا جيء بالواو ليكون نهيا عن إطاعتهما جميعا؟ أجيب : بأنه لو قال : ولا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما وإذا قيل : ولا تطع أحدهما علم أنّ الناهي عن طاعة أحدهما أنهى عن طاعتهما جميعا كما إذا نهى أن يقول لأبويه : أف علم أنه نهى عن ضربهما بطريق الأولى.
فإن قيل : إنّه صلىاللهعليهوسلم ما كان يطيع أحدا منهم فما فائدة هذا النهي؟ أجيب : بأنّ المقصود بيان أنّ الناس محتاجون إلى التنبيه والإرشاد لأجل ما تركب فيهم من الشهوة الداعية إلى النساء وأنّ الواحد لو استغنى عن توفيق الله تعالى وإرشاده لكان أحق الناس به هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم المعصوم دائما أبدا ، ومتى ظهر لك ذلك عرفت أنّ كل مسلم لا بدّ له من الرغبة إلى الله تعالى والتضرّع إليه أن يصونه عن الشهوات.
(وَاذْكُرِ) أي : في الصلاة (اسْمَ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بكل جميل (بُكْرَةً) أي : الفجر (وَأَصِيلاً) أي : الظهر والعصر.
(وَمِنَ اللَّيْلِ) أي : بعضه والباقي للراحة بالنوم (فَاسْجُدْ لَهُ) أي : المغرب والعشاء (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) أي : صل التطوّع فيه كما تقدّم من ثلثيه أو نصفه أو ثلثه أو اذكره بلسانك بكرة عند قيامك من منامك الذي هو الموتة الصغرى وتذكرك أنه يحيي الموتى ويحشرهم جميعا