سن من هو دون البلوغ ؛ لأنّ الفقهاء قالوا : الناس غلمان وصبيان وأطفال وذراري إلى البلوغ ثم هم بعد البلوغ شبان وفتيان إلى الثلاثين ، ثم هم بعدها كهول إلى الأربعين ثم بعدها شيوخ واستنبط بعضهم ذلك من القرآن في حق بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى في حق يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢] وفي حق عيسى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) [آل عمران : ٤٦] وعن إبراهيم : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) [الأنبياء : ٦٠] وعن يعقوب : (إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) [يوسف : ٧٨]. وقالوا : وأقل أهل الجنة من يخدمه ألف غلام ، ويعطى في الجنة قدر الدنيا عشر مرّات. وقرأ حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها.
ثم وصف تعالى تلك الغلمان بقوله تعالى : (مُخَلَّدُونَ) أي : قد حكم من لا يرد حكمه بأن يكونوا كذلك دائما من غير علة ولا ارتفاع عن ذلك الحدّ مع أنهم مزينون بالحلي وهو الحلق والأساور والقرط والملابس الحسنة.
(إِذا رَأَيْتَهُمْ) أي : يا أعلى الخلق وأنت أثبت الناس نظرا أو أيها الرائي الشامل لكل راء في أي حالة رأيتهم فيها (حَسِبْتَهُمْ) أي : من بياضهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في الخدمة (لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) أي : من سلكه أو من صدفه وهو أحسن منه في غير ذلك ، قال بعض المفسرين : هم غلمان ينشئهم الله تعالى لخدمة المؤمنين. وقال بعضهم : أطفال المؤمنين لأنهم ماتوا على الفطرة. وقال ابن برجان : وأرى والله أعلم أنهم من علم الله تعالى إيمانه من أولاد الكفار ، وتكون خدما لأهل الجنة كما كانوا لنا في الدنيا سبيا وخداما. وأما أولاد المؤمنين فيلحقون بآبائهم سنا وملكا سرورا لهم. ويؤيد هذا قوله صلىاللهعليهوسلم في ابنه إبراهيم عليهالسلام : «إن له لظئرا تتم رضاعه في الجنة» (١) فإنه يدل على انتقال شأنه فيما هنالك وكتنقله في الأحوال في الدنيا ، ولا دليل على خصوصيته بذلك. وقرأ السوسي وشعبة بإبدال الهمزة الأولى الساكنة وقفا ووصلا ، وإذا وقف حمزة أبدل الأولى والثانية.
ولما ذكر المخدوم والخدم ذكر المكان بقوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ) أي : وجدت منك الرؤية (ثَمَ) أي : هناك في أي مكان كان في الجنة ، وأي شيء كان فيها. وقوله تعالى (رَأَيْتَ) جواب إذا أي : رأيت (نَعِيماً) أي : ليس فيه كدر بوجه من الوجوه ولا يقدر على وصفه واصف. (وَمُلْكاً كَبِيراً) أي : لم يخطر على باله مما هو فيه من السعة وكثرة الموجود والعظمة.
قال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير تسليم الملائكة عليهم. وقيل : كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رؤوس الملوك ، وقال الحكيم الترمذي : هو ملك التكوين إذا أرادوا شيئا ، قالوا له : كن فيكون. وفي الخبر : إنّ الملك الكبير هو أنّ أدناهم منزلة أي : وما فيهم دنيء الذي في ملكه مسيرة ألف عام ويرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أعظمهم منزلة من ينظر إلى وجه ربه سبحانه وتعالى كل يوم. أي : قدر يوم من أيام الدنيا مرّتين.
ولما ذكر الدار وساكنيها من مخدوم وخدم ذكر لباسهم بقوله تعالى : (عالِيَهُمْ) أي : فوقهم (ثِيابُ سُندُسٍ) هو ما رق من الحرير (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) وهو ما غلظ من الديباج فهو البطائن ، والسندس الظهائر ، وقرأ نافع وحمزة (عالِيَهُمْ) بسكون الياء بعد اللام وكسر الهاء والباقون بفتح
__________________
(١) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٢٣١٦ ، وأحمد في المسند ٣ / ١١٢.