فإن قيل : كيف يكون كلاما لله تعالى ولجبريل عليهالسلام ولمحمد صلىاللهعليهوسلم؟ أجيب : بأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ، فالله سبحانه وتعالى أظهره في اللوح المحفوظ وجبريل عليهالسلام بلغه للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو بلغه للأمّة.
(قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) منصوب نعتا لمصدر أو زمان محذوف ، أي : إيمانا قليلا أو زمانا قليلا والناصب يؤمنون وما مزيدة للتأكيد ، وقال ابن عطية : ونصب قليلا بفعل مضمر يدل عليه يؤمنون وما يحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة ، ويحتمل أن تكون مصدرية وتتصف بالقلة فهو الإيمان اللغوي لا الشرعي ، لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا وهو إخلاصهم بالوحدانية عند الاضطرار ، وإفرادهم الخالق بالخلق والربوبية.
(وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) وهو المنجم الذي يخبر عن الأشياء وأغلبها ليس له صحة ، وقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) يأتي فيه ما تقدم في (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) وقال البغوي : أراد بالقليل نفي إسلامهم أصلا كقولك لمن لا يزورك : قلما تأتينا وأنت تريد ما تأتينا أصلا ، وقرأ : قليلا ما يومنون قليلا ما يذكرون ابن كثير وابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالفوقية ، وخفف الذال حمزة والكسائي وحفص وشددها الباقون.
وقوله تعالى : (تَنْزِيلٌ) خبر لمبتدأ مضمر ، أي : هو تنزيل على وجه التنجيم ، قال البقاعي : وأشار إلى الرسالة إلى جميع الخلق من أهل السموات والأرض بقوله تعالى : (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : موجدهم ومدبرهم بالإحسان إليهم بما يفهم كل منهم من هذا الذكر الذي رباهم به ورتب سبحانه نظمه على وجه سهل على كل منهم يكفي في هدايته ا. ه. وهذا يدل على أنه صلىاللهعليهوسلم أرسل للملائكة وهو الذي ينبغي وإن لم يكونوا مكلفين تشريفا لهم زيادة في شرفه بإرساله صلىاللهعليهوسلم إليهم.
(وَلَوْ تَقَوَّلَ ،) أي : كلف نفسه أن يقول مرة من الدهر كذبا (عَلَيْنا) أي : على ما لنا من العظمة (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) أي : التي لم نقلها أو قلناها ولم نأذن له فيها قال الزمخشري : التقوّل افتعال القول لأن فيه تكلفا من المفتعل وسمى الأقوال المنقولة أقاويل تصغيرا لها وتحقيرا ، كقولك : الأعاجيب والأضاحيك ، كأنها جمع أفعولة من القول. والمعنى : لو نسب إلينا قولا لم نقله أو لم نأذن له في قوله : (لَأَخَذْنا) أي : لنلنا (مِنْهُ) أي : عقابا (بِالْيَمِينِ) أي : بالقوة والقدرة.
تنبيه : الباء على أصلها غير مزيدة ، والمعنى : لأخذناه بقوة منا ، فالباء حالية والحال من الفاعل وتكون منه في حكم الزائدة ، واليمين هنا مجاز عن القوة والغلبة ، فإن قوة كل شيء في ميامنه ، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم ، ومنه قول الشماخ (١) :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
وقال أبو جعفر الطبري : هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب ، ويجوز أن تكون الباء مزيدة ، والمعنى : لأخذنا منه يمينه ، والمراد باليمين الجارحة كما
__________________
(١) البيت من الوافر ، وتقدم مع تخريجه قبل قليل.