يمكن أن يدخل تحت المشيئة (قَدِيرٌ) بالغ القدرة فيأتي بعالم آخر مثل هذا العالم وأبدع منه وأبدع من ذلك إلى ما لا نهاية له بالاستدلال بهذا العالم ، فإن من قدر على إيجاد ذرة من العدم قدر على إيجاد ما هو دونها ومثلها وفوقها إلى ما لا نهاية له ، لأنه لا فرق في ذلك بين قليل وكثير ، وجليل وحقير (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣].
قال البقاعي : وإياك أن تصغي إلى من قال : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان فإنه مذهب فلسفي خبيث ، والآية نص في إبطاله ، وإن نسبه بعض الملحدين إلى الغزالي ، فإني لا أشك أنه مدسوس عليه ، وإن مذهبه فلسفي خبيث بشهادة الغزالي كما بينت ذلك في كتابي «دلائل البرهان» على أن في الإمكان أبدع مما كان قال : ومع كونه مذهب الفلاسفة أخذه أكفر المارقين ابن عربي وأودعه في فصوصه ، وغير ذلك من كتبه ، وأسند في بعضها للغزالي والغزالي بريء منه بشهادة ما وجد من عقائده في الإحياء وغيره انتهى. والبقاعي ممن يقول بكفر ابن عربي ، وابن المقري يقول بكفره وكفر طائفته ، وقد تقدم الكلام على كلامهم (وَأَنَّ اللهَ) أي : الذي له جميع صفات الكمال.
(قَدْ أَحاطَ) لتمام قدرته (بِكُلِّ شَيْءٍ) مطلقا (عِلْماً) فله الخبرة التامة بما يأمر به من الأحكام في العالم بمصالحه ومفاسده ، فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته فعاملوه معاملة من يعلم أنه رقيب عليه تسلموا في الدنيا وتسعدوا في الآخرة.
تنبيه : علما منصوب على المصدر المؤكد ، لأن أحاط بمعنى علم ، وقيل : بمعنى والله أحاط إحاطة علما. وما قاله البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٥٦٥.