إليه راجعون ، قاله ابن جبير. (وَاللهُ) أي : الملك الذي لا نظير له (بِكُلِّ شَيْءٍ) مطلقا من غير استثناء (عَلِيمٌ) فلا يخفى عليه تسليم من انقاد لأمره ، فإذا تحقق من هدى
قلبه ذلك زاح عنه كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة.
(وَأَطِيعُوا اللهَ) أي : الملك الأعلى الذي له الأمر كله (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أي : هونوا على أنفسكم المصائب واشتغلوا بطاعة الله
تعالى ، واعملوا بكتابه وأطيعوا الرسول في العمل بسنته (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي : عن الطاعة (فَإِنَّما عَلى
رَسُولِنَا) أضافه إليه على وجه الكمال تعظيما له وتهديدا لمن يتولى
عنه (الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي : الظاهر في نفسه المظهر لكل أحد أنه أوضح له غاية
الإيضاح ، ولم يدع لبسا ، وليس إليه خلق الهداية في القلوب.
(اللهُ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فهو القادر على خلق الهداية في القلوب والإقبال بها لا
يقدر على ذلك غيره (وَعَلَى اللهِ) أي : الذي له الأمر لا على غيره (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي : لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك. وقال
الزمخشري : هذا بعث لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على التوكل عليه ، والتقوى به في أمره حتى ينصره على من
كذبه وتولى عنه.
واختلف في سبب
نزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي : وإن أظهرن غاية المودة (وَأَوْلادِكُمْ) أي : وإن أظهروا غاية الشفقة (عَدُوًّا لَكُمْ) فقال ابن عباس : نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي
شكا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم جفاء أهله وولده فنزلت ذكره النحاس ، وحكاه الطبري عن
عطاء بن يسار قال : نزلت سورة التغابن كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) فإنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد ، وكان
إذا أراد الغزو بكوه ورققوه ، وقالوا : إلى من تدعنا فيرق فيقيم ، فنزلت هذه الآية
إلى آخر السورة بالمدينة.
وروى الترمذي
عن ابن عباس وسئل عن هذه الآية قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة ، وأرادوا أن
يأتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم رأوا الناس قد تفقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم
فأنزل الله تعالى هذه الآية ، حديث حسن صحيح.
وفي صحيح
البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الشيطان قعد لابن آدم في طرق الإيمان فقال له
: أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن ، ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له : أتهاجر
وتترك أهلك ومالك فخالفه فهاجر ، ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له : أتجاهد
فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل ، فحق على الله أن يدخله
الجنة» .
وقعود الشيطان
يكون بوجهين : أحدهما : يكون بالوسوسة ، والثاني : أن يحمل على ما يريد من ذلك
الزوج والولد والصاحب قال تعالى : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ
قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) [فصلت : ٢٥] وفي حكمة عيسى عليه الصلاة والسلام : من اتخذ أهلا ومالا وولدا
كان في الدنيا
__________________