بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد فنزل (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) الآية. ولم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات.
ولما كان صلىاللهعليهوسلم يحب صلاحهم فهو يحب أن يستغفر لهم ، وربما ندبه إلى ذلك بعض أقاربهم ، قال تعالى منبها على أنهم ليسوا بأهل للاستغفار لأنهم لا يؤمنون : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل (أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ) الله (لَهُمْ) أي : سواء عليهم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ، ولا يعتدّون به لكفرهم (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ) أي : الملك الأعظم (لَهُمْ) لرسوخهم في الكفر (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له كمال الصفات (لا يَهْدِي الْقَوْمَ) أي : الناس الذين لهم قوّة في أنفسهم على ما يريدونه (الْفاسِقِينَ) أي : لأنهم لا عذر لهم في الإصرار على الفسق ، وهو المروق من حصن الإسلام بخرقه وهتكه مرّة بعد مرّة ، والتمرن عليه حتى استحكم فهم راسخون في النفاق ، والخروج عن مظنة الإصلاح.
(هُمُ) أي خاصة بخالص بواطنهم (الَّذِينَ يَقُولُونَ) أي : أوجدوا هذا القول للأنصار ، ولا يزالون يجددونه لأنهم كانوا مربوطين بالأسباب محجوبين عن شهود التقدير (لا تُنْفِقُوا) أي : أيها المخلصون في النصرة (عَلى مَنْ) أي : الذين (عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) أي : الملك المحيط بكل شيء ، وهم فقراء المهاجرين (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أي : يتفرّقوا فيذهب كل أحد منهم إلى أهله وشغله الذي كان له قبل ذلك.
قال البقاعي : وما درى الأجلاف أنهم لو فعلوا ذلك أتاح الله تعالى غيرهم للإنفاق ، أو أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدعا في الشيء اليسير فصار كثيرا ، أو كان بحيث لا ينفد ، أو أعطى كلا يسيرا من طعام على كيفية لا ينفد معها كتمر أبي هريرة ، وشعير عائشة ، وعكة أمّ أيمن وغير ذلك كما روي غير مرّة ، ولكن (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الزمر : ٢٣] ولذلك عبر في الردّ عليهم بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ) أي : قالوا ذلك واستمرّوا على تجديد قوله ، والحال أنّ الملك الذي لا أمر لغيره (خَزائِنُ السَّماواتِ) أي : كلها (وَالْأَرْضِ) كذلك من الأشياء المعدومة الداخلة تحت مقدوره ، (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ومن الأشياء التي أوجدها فهو يعطي من يشاء منها ، حتى مما في أيديهم لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك لا مما في يده ولا مما في يد غيره.
ونبه على سوء غباوتهم وأنهم تقيدوا بالوهم حتى سفلوا عن رتبة البهائم كما قال بعضهم : إن كان محمد صادقا فنحن شرّ من البهائم بقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ) أي : العريقين في وصف النفاق (لا يَفْقَهُونَ) أي : لا يتجدّد لهم فهم أصلا كالبهائم بل هم أضل ، لأنّ البهائم إذا رأت شيئا ينفعها يوما في مكان طلبته مرة أخرى ، وهؤلاء رأوا غير مرّة ما أخرج الله تعالى من خوارق البركات على يد رسوله صلىاللهعليهوسلم فلم ينفعهم ذلك ، ودل على عدم نفعهم بقوله تعالى : (يَقُولُونَ) أي : يوجدون هذا القول ويجدّدونه مؤكدين لاستشعارهم بأنّ أكثر قومهم ينكره (لَئِنْ رَجَعْنا) أي : أيتها العصابة المنافقة (إِلَى الْمَدِينَةِ) أي : من غزاتنا هذه ، وهي غزوة بني المصطلق حيّ من هذيل خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له : المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ) يعنون أنفسهم (مِنْهَا) أي : المدينة (الْأَذَلَ) يعنون النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وهم كاذبون في هذا لكونهم تصوروا لشدة غباوتهم أنّ العزة لهم ، وأنهم يقدرون على إخراج المؤمنين (وَلَهُ) أي :