قيل : إنّ سبب الامتحان أنه كان من أرادت منهنّ إضرار زوجها قالت : سأهاجر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلذلك أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بامتحانهنّ (اللهُ) أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلما (أَعْلَمُ) أي : منكم ومن أنفسهنّ (بِإِيمانِهِنَ) هل هو كائن ، أم لا على وجه الرسوخ ، أم لا فإنه المحيط بما غاب كإحاطته بما شوهد ، وإنما وكل الأمر إليكم في ذلك سترا للناس (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) أي : العلم الممكن لكم ، وهو الظنّ المؤكد بالإمارات الظاهرات بالحلف وغيره (فَلا تَرْجِعُوهُنَ) أي : بوجه من الوجوه (إِلَى الْكُفَّارِ) وإن كانوا أزواجا. قال ابن عباس : لما جرى الصلح مع مشركي قريش عام الحديبية على أنّ من أتاه من أهل مكة ردّه إليهم جاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم بالحديبية بعد فأقبل زوجها وكان كافرا وكان صيفي بن الراهب ، وقيل : مسافر المخزومي فقال : يا محمد أردد علي امرأتي فأنت شرطت ذلك ، وهذه طية الكتاب لم تجف بعد فأنزل الله تعالى هذه الآية. وروي «أنّ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت للنبي صلىاللهعليهوسلم فجاء أهلها يسألونه أن يردّها ، وقيل : هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد ، فردّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخويها وحبسها فقالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : ردّها علينا للشرط ، فقال صلىاللهعليهوسلم : كان الشرط في الرجال لا في النساء فأنزل الله تعالى هذه الآية» (١). وعن عروة قال كان مما اشترط سهل بن عمرو على النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الحديبية أن لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ، وخليت بيننا وبينه ، فكره المؤمنون ذلك وأبى سهل إلا ذلك ، فكاتبه النبيّ صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، فردّ يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا ردّه في تلك المدّة ، وإن كان مسلما حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل ، وهذا يومي إلى أنّ الشرط في ردّ النساء نسخ بذلك ، وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن. وقال بعض العلماء : كله منسوخ بالقرآن ، وقالت طائفة : لم يشترط ردّهنّ في العقد لفظا ، وإنما أطلق العقد في ردّ من أسلم فكان ظاهر العموم اشتماله عليهنّ مع الرجال ، فبين الله تعالى خروجهنّ عن عمومه وفرق بينهنّ وبين الرجال لأمرين : أحدهما : أنهنّ ذوات فروج فحرمن عليهنّ ، الثاني : أنهنّ أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم ، فأما المقيمة منهنّ على شركها فمردودة عليهم (لا هُنَ) أي : المؤمنات (حِلٌ) أي : موضع حلّ ثابت (لَهُمْ) أي : الكفار باستمتاع ، ولا غيره. وقوله تعالى : (وَلا هُمْ) أي : رجال الكفار (يَحِلُّونَ لَهُنَ) أي : المؤمنات تأكيد للأوّل لتلازمهما. وقال البيضاوي : والتكرير للمطابقة والمبالغة ، والأولى لحصول الفرقة ، والثانية للمنع عن الاستئناف.
وقيل : أراد استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل كما هو في الحال ما داموا مشركين ، وهنّ مؤمنات. والمعنى : لم يحل الله تعالى مؤمنة لكافر في حال من الأحوال ، وهذا أدل دليل على أنّ الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها الكافر إسلامها لا هجرتها. وقال أبو حنيفة : الذي فرق بينهما هو اختلاف الدارين ، والصحيح كما قال ابن عادل : الأول لأنّ الله تعالى بين العلة ، وهو عدم الحل بالإسلام لا باختلاف الدار.
ولما نهى عن الردّ وعلله أمر بما قدم من الأقساط إليهم فقال تعالى : (وَآتُوهُمْ) أي : أعطوا الأزواج (ما أَنْفَقُوا) أي : عليهنّ من المهور ، فإنّ المهر في نظير أصل العشرة ودوامها ، وقد
__________________
(١) أخرجه بنحوه البخاري في الشروط حديث ٢٧١١ ، ٢٧١٢.