أي : تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب (إِنَّ اللهَ) أي : الذي أحاط بجميع صفات الكمال (سَمِيعٌ) أي : بالغ السمع لكل مسموع (بَصِيرٌ) أي : بالغ البصر لكل ما يبصر فهما صفتان كالعلم والقدرة
والحياة والإرادة وهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متصفا بهما
ولما أتم تعالى
الخبر عن إحاطة العلم استأنف الإخبار عن حكم الأمر المجادل بسببه فقال تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) أي : يوجدون الظهار في أي زمان كان وقوله تعالى : (مِنْكُمْ) أي : أيها العرب المسلمون توبيخ لهم وتهجين لعادتهم
لأنّ الظهار كان خاصا بالعرب دون سائر الأمم فنبه تعالى على أنّ اللائق بهم أن
يكونوا أبعد الناس عن هذا الكلام لأنّ الكذب لم يزل مستهجنا عندهم في الجاهلية ثم
زاده الإسلام استهجانا (مِنْ نِسائِهِمْ) أي : يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله تعالى عليهم
ظهور أمّهاتهم.
والظهار لغة :
مأخوذ من الظهر لأنّ صورته الأصلية أن يقول لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي ، وخصوا
الظهر دون البطن والفخذ وغيرهما لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج.
وقيل : من
العلو قال تعالى : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ
يَظْهَرُوهُ) [الكهف : ٩٧] أي : أن يعلوه وكان طلاقا في الجاهلية ، وقيل : في أوّل
الإسلام ويقال : كان في الجاهلية إذا كره أحدهم أمرأته أنه ولم يرد أن تتزوج بغيره
آلى منها أو ظاهر فتبقى لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره ؛ فغير الشارع حكمه إلى
تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة كما سيأتي.
وحقيقته
الشرعية : تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حلاله وسمى هذا المعنى ظهارا
لتشبيه الزوجة بظهر الأم ، وله أركان أربعة : مظاهر ومظاهر منها وصيغة ومشبه به
وشرط في المظاهر كونه زوجا يصح طلاقه ، وشرط في المشبه به كونه كلّ أنثى محرم أو
جزء أنثى محرم لم تكن حلاله كابنته وأخته ، وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالظهار صريح
كأنت أو رأسك أو بدنك كظهر أمي أو كجسمها أو بدنها أو كناية كأنت أمي أو كعينها أو
غيرها مما يذكر للكرامة كرأسها أو روحها ويصح تأقيته وتعليقه ، وأصل يظهرون
يتظهرون أدغمت التاء في الظاء وقرأ (الَّذِينَ
يُظاهِرُونَ) والذي يظاهرون عاصم بضم الياء وتخفيف الظاء وبعدها ألف
وتخفيف الهاء مكسورة ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء وتشديد الظاء
وتخفيف الهاء مع فتحها وبين الظاء والهاء ألف ، والباقون بفتح الياء وتشديد الظاء
والهاء ولا ألف بينهما (ما هُنَ) أي : نساؤهم (أُمَّهاتِهِمْ) أي : على الحقيقة (إِنْ) أي : ما (أُمَّهاتِهِمْ) أي : حقيقة (إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ) ونساؤهم لم يلدنهم فلا يحرمن عليهم حرمة مؤبدة للإكرام
والاحترام ، ولا هنّ ممن ألحق بالأمهات بوجه يصح كأزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم فإنهنّ أمّهات لما لهنّ من حق الإكرام والاحترام
والإعظام ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم أعظم في أبوة الدين من أبي النسب ، وكذا المرضعات ، لما
لهنّ من حق الرضاع الذي هو وظيفة الأمّ بالأصالة. وأمّا الزوجة فمباينة لجميع ذلك.
وقرأ قالون
وقنبل : بالهمزة المكسورة ولا ياء بعدها ، وقرأ ورش والبزي وأبو عمرو بتسهيل
الهمزة مع المدّ والقصر وللبزي وأبو عمرو أيضا موضع الهمزة ياء ساكنة مع المدّ
والباقون بهمزة مكسورة وبعدها ياء وهم على مراتبهم في المدّ (وَإِنَّهُمْ) أي : المظاهرون (لَيَقُولُونَ) أي : في هذا التظهر على كلّ حالة (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) إذ الشرع أنكره وهو حرام اتفاقا كما نقل عن الرافعي في
باب الشهادات (وَزُوراً) أي : قولا مائلا عن السداد منحرفا عن القصد ، لأنّ
الزوجة معدّة