رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون» (١).
وعن ابن مسعود أيضا قال : «كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حمار فقال : يا ابن أم عبد هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت الله ورسوله أعلم ، قال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزموا أهل الإيمان ثلاث مرار فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء قتلونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله تعالى النبيّ الذي وعدنا عيسى عليهالسلام يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم فتفرّقوا في غيران الجبال وأحدثوا الرهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) إلى قوله تعالى : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني من ثبت عليها أجرهم ثم قال النبي صلىاللهعليهوسلم : يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي قلت الله ورسوله أعلم قال : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة» (٢)
وعن أنس أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ لكلّ أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله تعالى» (٣) وعن ابن عباس قال : كانت ملوك بني إسرائيل بعد عيسى عليهالسلام بدلوا التوراة والإنجيل وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله تعالى فقيل لملوكهم : لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل وإلا فما بدلوا منهما فقالوا نحن نكفيكم أنفسنا ، فقالت طائفة : ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم ، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا ، وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقر فلا نرد عليكم ولا نراكم ففعلوا بهم ذلك ، فمضى أولئك على منهاج عيسى عليهالسلام ، وخلف قوم من بعدهم ممن غير الكتاب فجعل الرجل يقول : نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فذلك قوله عزوجل : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حق رعايتها ، يعني الآخرين الذين جاؤوا من بعدهم (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني : الذين اتبعوها ابتغاء مرضاة الله (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) هم الذين جاؤوا من بعدهم قال : فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب دير من ديره فآمنوا وصدّقوا فقال الله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : بموسى وعيسى عليهماالسلام إيمانا صحيحا (اتَّقُوا اللهَ) أي : خافوا عقاب الملك الأعظم (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم إيمانا مضموما إلى إيمانكم بمن تقدّمه ،
__________________
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٧ / ٣٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١ / ١٦٣ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٠ / ٢٧٢.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٧ / ٣٨ ـ ٣٩.
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٨ / ١٩٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٥ / ٢٧٨ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٧٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٠٦٤٩.