نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥))
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ) أي : وهم في قوة عظيمة على ما يحاولونه ، وإن كانوا في تكذيبهم هذا أضعف من عقول النساء عن التجرد عن الهوى بما دلّ عليه تأنيث الفعل بالتاء ، وكذا ما قبلها من القصص (بِالنُّذُرِ) أي : بالأمور المنذرة لهم على لسان نبيهم لوط عليهالسلام.
ودلّ على تناهي القباحة في مرتكبهم بتقديم الأخبار عن عذابهم ، فقال تعالى مؤكدا توعدا لمن استمرّ على التكذيب (إِنَّا) أي : بما لنا من العظمة (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي : ريحا شديدة ترميهم بالحصباء ، وهي صغار الحجارة الواحد دون ملء الكف فهلكوا (إِلَّا آلَ لُوطٍ) وهم من آمن به ، فكان إذا رأيته فكأنك رأيت لوطا عليهالسلام لما يلوح عليه من أفعاله ، والمشي على منواله في أقواله وأفعاله (نَجَّيْناهُمْ) أي : تنجية عظيمة (بِسَحَرٍ) أي : بآخر ليلة من الليالي ، وهي الليلة التي عذب فيها قومه ، «وانصرف» لأنه نكرة لأنا لا نعرف تلك الليلة بعينها ، ولو قصد به وقت بعينه لمنع الصرف للتعريف ، والعدل عن أل هذا هو المشهور ، وزعم صدر الأفاضل : أنه مبني على الفتح كأمس مبنيا على الكسر.
تنبيه : قال الجلال المحلي : وهل أرسل الحاصب على آل لوط أو لا : قولان ؛ وعبر عن الاستثناء على الأوّل بأنه متصل ، وعلى الثاني بأنه منقطع ، وإن كان من الجنس تسمحا.
وقوله تعالى : (نِعْمَةً) أما مفعول له ؛ وإمّا مصدر بفعل من لفظها أو من معنى نجيناهم لأن تنجيتهم ، إنعام فالتأويل : إمّا في العامل ، وإمّا في المصدر. وقوله تعالى : (مِنْ عِنْدِنا) متعلق بنعمة ، أو بمحذوف صفة لها. (كَذلِكَ) أي : مثل هذا الإنجاء العظيم الذي جعلناه جزاء لهم (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) أي : من آمن بالله تعالى ، وأطاعه قال بعض المفسرين : وهو وعد لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم بأنه يصونهم عن الهلاك العام ؛ وقال الرازي : ويمكن أن يقال : هو وعد لهؤلاء بالثواب يوم القيامة كما أنجاهم في الدنيا من العذاب ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران : ١٤٥] وقال مقاتل : من وحد الله تعالى لم يعذبه مع المشركين.
(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) أي : رسولنا لوط عليهالسلام (بَطْشَتَنا) أي : أخذتنا المقرونة من الشدّة بما لنا من العظمة ، وهي العذاب الذي نزل بهم ، وقيل : هي عذاب الآخرة لقوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) [الدخان : ١٦](فَتَمارَوْا) أي تجادلوا وكذبوا (بِالنُّذُرِ) أي بإنذاره فكان سببا للأخذ.
(وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي أرادوا أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة