تنبيه : اللام في ليجزي يجوز أن تتعلق بقوله تعالى : (بِمَنْ ضَلَ) و (بِمَنِ اهْتَدى ،) واللام للصيرورة أي عاقبة أمرهم جميعا للجزاء بما عملوا قال معناه الزمخشري ، وأن تتعلق بما دلّ عليه قوله تعالى : (أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ) أي : حفظ ذلك ليجزي قاله أبو البقاء (وَيَجْزِيَ) أي : ويثيب ويكرم (الَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي : على ثباتهم على الدين وصبرهم عليه وعلى أذى أعدائهم (بِالْحُسْنَى) أي : بالمثوبة الحسنى وهي الجنة.
وبين المحسنين بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) أي : يكلفون أنفسهم ويجهدونها على أن يتركوا (كَبائِرَ الْإِثْمِ) أي : ما عظم الشارع إثمه بعد تحريمه بالوعيد والحد ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الباء الموحدة وبعدها ياء ساكنة والباقون بفتح الموحدة وبعدها ألف وبعد الألف همزة مكسورة وعطف على كبائر قوله تعالى : (وَالْفَواحِشَ) والفاحشة من الكبائر ما كرهه الطبع وأنكره العقل واستخبثه الشرع والكبيرة صفة عائدة إلى الكيفية.
وقوله تعالى : (إِلَّا اللَّمَمَ) فيه أوجه : أحدها وهو المشهور أنه استثناء منقطع أي لكن اللمم ، لأنه الصغائر فلم تندرج فيما قبلها ثانيها : أنه صفة وإلا بمعنى غير كقوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] أي كبائر الإثم والفواحش غير اللمم. ثالثها : أنه متصل وهذا عند من يفسر اللمم بغير الصغائر قالوا : إنّ اللمم من الكبائر والفواحش قالوا : إن معنى الآية إلا أن يلم بالفاحشة مرّة ثم يتوب ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواه عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال عبد الله بن عمرو بن العاص : اللمم ما دون الشرك قال السدي : قال أبو صالح : سئلت عن قول الله عزوجل إلا اللمم فقلت : هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله عزوجل كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر ، وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» (١) ولمسلم «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا يدرك ذلك لا محالة العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه النطق واليد زناها البطش والرجل زناها الخطأ والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» (٢).
تنبيه : ذهب الجماهير من السلف والخلف من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى كبائر وصغائر ، وقد تظاهرت على ذلك دلائل الكتاب والسنة ، وقد اختلف في ضبط الكبيرة بالحد فقال جمع : هي ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة ، وقال جمع : هي المعصية الموجبة للحد والأوّل أوجه لأنهم عدوا الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور ونحوها من الكبائر ولا حد فيها وقال إمام الحرمين : هي كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ، وأما تعريفها بالعد فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي إلى السبعين أقرب وقال سعيد بن جبير هي إلى السبعمائة أقرب
__________________
(١) أخرجه البخاري في الاستئذان حديث ٦٢٤٣ ، ومسلم في القدر حديث ٢٦٥٧ ، وأبو داود في النكاح حديث ٢١٥٢.
(٢) أخرجه مسلم في القدر حديث ٢٦٥٧.