استفهام بمعنى التقرير والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار وأن المؤمنين بالآيات يأتون آمنين يوم القيامة حين يجمع الله تعالى عباده للعرض عليه للحكم بينهم بالعدل ، قال البغوي قيل : هو حمزة وقيل : هو عثمان وقيل : عمار بن ياسر.
فائدة : أم في الرسم مقطوعة وقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) أي : فقد علمتم مصير المسيء والمحسن تهديد فمن أراد شيئا من الجزاءين فليعمل أعماله فإنه ملاقيه ، وقوله تعالى (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ) أي : في كل وقت (بَصِيرٌ) أي : عالم بأعمالكم فيه ، وعيد بالمجازاة.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) أي : القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) بدل من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) أو مستأنف وخبر إن محذوف مثل معاندون أو هالكون أو أولئك ينادون ، ولما بالغ تعالى في تهديد الملحدين في آيات القرآن أتبعه ببيان تعظيم القرآن فقال تعالى : (وَإِنَّهُ) أي : والحال إنه (لَكِتابٌ) أي : جامع لكل خير (عَزِيزٌ) أي : فهو كثير النفع عديم النظير يغلب كل ذكر ولا يغلبه ذكر ولا يقرب منه ذلك ويعجز كل معارض ولا يعجز عن إقعاد مناهض ، وقال الكلبي : عن ابن عباس رضي الله عنهما كريم على الله تعالى ، وقال قتادة : أعزه الله تعالى.
(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) لأنه يمتنع منه بمتانة وصفه وجزالة نظمه وحلاوة معانيه فلا يلحقه تغيير (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي : لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات لأن قدام أوضح ما يكون وخلف أخفى ما يكون فما بين ذلك من باب أولى ، والعبارة كناية عن ذلك لأن صفة الله تعالى لا وراء لها ولا أمام لها على الحقيقة ، ومثل ذلك ليس وراء الله تعالى مرمى ولا دونه منتهى ، وقال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه ، وقال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ، وعلى هذا فمعنى الباطل الزيادة أو النقصان ، وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يأتي بعده كتاب فيبطله ، ثم علل ذلك بقوله تعالى : (تَنْزِيلٌ) أي : بحسب التدريج لأجل المصالح (مِنْ حَكِيمٍ) أي : بالغ الحكمة فهو يضع كل شيء منه في أتم محله من وقت النزول وسياق النظم (حَمِيدٍ) أي : بالغ الإحاطة بأوصاف الكمال من الحكمة وغيرها والتطهر والتقديس عن كل شائبة نقص يحمده كل خلقه بلسان حاله إن لم يحمده بلسان قاله ، فإن قيل : أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون؟ أجيب : بأن الله تعالى حماه عن تعلق الباطل به بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم ، فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا ولا قول مبطل إلا مضمحلا ونحو هذا قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
ثم سلّى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (ما يُقالُ) أي : من الكفار أو من غيرهم (لَكَ) يا أكرم الخلق مما يحصل به ضيق صدر وتشويش فكر (إِلَّا ما) أي : شيء (قَدْ قِيلَ) أي : حصل قوله على ذلك الوجه (لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) فصبروا على ما أوذوا فاصبر كما صبروا (إِنَّ رَبَّكَ) أي : المحسن إليك بإرسالك وإنزال كتابه إليك ومن يكرم بمثل هذا لا ينبغي له أن يحزن لشيء يعرض له (لَذُو مَغْفِرَةٍ) أي : لمن تاب وآمن بك (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) أي : مؤلم لمن أصر على التكذيب وعلى هذا فقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ) الآية مستأنف ، وقيل : مفسر للمقول كأنه قيل للرسل : إن ربك لذو مغفرة وجرى على ذلك الزمخشري ونزل جوابا لقولهم هلا نزل القرآن بلغة العجم.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي : هذا الذكر بما لنا من العظمة (قُرْآناً) أي : على ما هو عليه من الجمع