أي متواضعة. والثاني : أنّ هذه الظلال واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد فلما كانت الظلال يشبه شكلها شكل الساجدين أطلق الله تعالى عليها هذا اللفظ وكان الحسن يقول : أما ظلك فيسجد لربك وأمّا أنت فلا تسجد لربك بئسما صنعت. وعن مجاهد ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي. وقيل : ظل كل شيء يسجد لله سواء أكان ذلك الشيء ساجدا أم لا. قال الرازي : والأوّل أقرب إلى الحقائق العقلية والثاني أقرب إلى الشبهات الظاهرة. وقوله تعالى : (وَهُمْ داخِرُونَ) أي : صاغرون حال أيضا من الظلال فينتصب عنه حالان وقيل : حال من الضمير المستتر في سجدا فهي حال متداخلة. فإن قيل : الظلال ليست من العقلاء فكيف جاز جمعها بالواو والنون؟ أجيب : أنه تعالى لما وصفها بالطاعة والدخور أشبهت العقلاء أو أن في جملة ذلك من يعقل فغلب.
ولما حكم على الظلال بما يعم أصحابها من جماد وحيوان وكان الحيوان أشرف من الجماد رقي الحكم إليه بخصوصه ، فقال : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وقوله تعالى : (مِنْ دابَّةٍ) يجوز أن يكون بيانا لما في السموات وما في الأرض جميعا على أنّ في السموات خلقا لله يدبون فيها كما تدب الأناسيّ في الأرض ، وأن يكون بيانا لما في الأرض وحده ، ويراد بما في السموات الخلق الذي يقال له الروح ، وأن يكون بيانا لما في الأرض ويراد بما في السموات الملائكة وكرّر ذكرهم بقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ) خصوصا من بين الساجدين لأنهم أطوع الخلق وأعبدهم ويجوز أن يراد بما في السموات ملائكتهنّ وبقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ) ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم. فإن قيل : سجود المكلفين مما انتظمه هذا الكلام خلاف سجود غيرهم فكيف عبر عن النوعين بلفظ واحد؟ أجيب : بأنّ المراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم وبسجود غيرهم انقياده لإرادة الله تعالى وأنه غير ممتنع عليه وكلا السجودين يجمعهما معنى الانقياد فلم يختلفا فلذلك جاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد. فإن قيل : هلا جيء بمن دون ما تغليبا للعقلاء من الدواب على غيرهم؟ أجيب : بأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب فكان متناولا للعقلاء خاصة فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة للعموم. (وَهُمْ) أي : الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته.
ثم علل تخصيصهم بقوله تعالى دلالة على أنهم كغيرهم في الوقوف بين الخوف والرجاء : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ) أي : الموجد لهم المدبر لأمورهم المحسن إليهم خوفا مبتدأ (مِنْ فَوْقِهِمْ) إشارة إلى علو الخوف عليهم وغلبته لهم ، أو أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر كقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام ، ١٨]. وقوله تعالى : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) [الأعراف ، ١٢٧] والجملة حال من الضمير في لا يستكبرون ، أو بيان له أو تقرير لأنّ من خاف الله لا يستكبر عن عبادته. (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) أي : من الطاعة والتدبير وفي ذلك دليل على أنّ الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي والوعد والوعيد كسائر المكلفين وأنهم بين الخوف والرجاء ، كما مرّت الإشارة إليه وأنهم معصومون من الذنوب لأنّ قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) يدل على أنهم منقادون لخالقهم وأنهم ما خالفوا في أمر من الأمور كما قال تعالى : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء ، ٢٧]. ولما بيّن تعالى أنّ كل ما سوى الله تعالى سواء أكان من عالم الأرواح أم من عالم الأجساد فهو منقاد خاضع لجلال الله تعالى