أموات ، أي : لا بد لهم من الموت غير أحياء ، أي : باقية حياتهم وما يشعرون ، أي : لا علم لهم بوقت بعثهم.
ولما زيف سبحانه وتعالى طريقة عبدة الأصنام وبيّن فساد مذهبهم قال تعالى : (إِلهُكُمْ) أي : أيها الخلق جميعا المعبود بحق (إِلهٌ) أي : متصف بالإلهية على الإطلاق بالنسبة إلى كل أوان وكل زمان وكل مكان (واحِدٌ) لا يقبل التعدّد الذي هو مثال النقص بوجه من الوجوه لأنّ التعدّد يستلزم إمكان التمانع المستلزم للعجز المستلزم للبعد عن رتبة الإلهية. (فَالَّذِينَ) أي : فتسبب عن هذا أنّ الذين (لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي : دار الجزاء ومحل إظهار الحكم الذي هو ثمرة الملك والعدل الذي هو مدار العظمة (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) أي : جاحدة للوحدانية (وَهُمْ) أي : والحال أنهم بسبب إنكار ذلك (مُسْتَكْبِرُونَ) أي : متكبرون عن الإيمان بها (لا جَرَمَ) أي : حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) علما غيبيا وشاهديا (ما يُسِرُّونَ) أي : ما يخفون مطلقا أو بالنسبة إلى بعض الناس (وَما يُعْلِنُونَ) أي : يظهرون فيجازيهم ذلك. ولما كان في ذلك معنى التهديد علل ذلك بقوله تعالى : (إِنَّهُ) أي : العالم بالسر والعلن (لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) أي : على خلقه فما بالك بالمستكبرين على التوحيد واتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم ومعنى عدم محبتهم أنه يعاقبهم. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. فقال رجل : يا رسول الله ، إنّ الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا؟ قال : إنّ الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس» (١) ومعنى بطر الحق أنه يستكبر عند سماع الحق فلا يقبله ومعنى غمص الناس استنقاصهم وازدراؤهم. ولما بالغ سبحانه وتعالى في دلائل التوحيد وأورد الدلائل القاهرة في إبطال مذاهب عبدة الأصنام قال تعالى عاطفا على قلوبهم منكرة : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي : لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة وقوله تعالى : (ما) استفهامية و (ذا) موصولة ، أي : ما الذي (أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) على محمد صلىاللهعليهوسلم. واختلف في قائل هذا القول فقيل : كلام بعضهم لبعض ، وقيل : قول المسلمين لهم ، وقيل : قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل الله تعالى على رسوله صلىاللهعليهوسلم (قالُوا) مكابرين في إنزال القرآن هو (أَساطِيرُ) أي : آكاذيب (الْأَوَّلِينَ) مع عجزهم بعد تحديهم عن معارضتهم أقصر سورة منه مع علمهم بأنهم أفصح الناس وأنه لا يكون من أحد من الناس متقدّم أو متأخر قول إلا قالوا أبلغ منه. فإن قيل : هذا كلام متناقض لأنه لا يكون منزلا من ربهم وأساطير؟ أجيب : بأنهم قالوه على سبيل السخرية كقوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء ، ٢٧].
واللام في قوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا) لام العاقبة كما في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص ، ٨] وذلك لما وصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين كان عاقبتهم بذلك أن يحملوا (أَوْزارَهُمْ) أي : ذنوب أنفسهم وإنما قال تعالى : (كامِلَةً) لئلا يتوهم أنه يكفر عنهم شيء بسبب البلايا التي أصابتهم في الدنيا وأعمال البرّ التي عملوها في الدنيا بل يعاقبون بكل أوزارهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) الذي لا شك فيه ولا محيص عن إتيانه. قال الرازي : وهذا يدل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلا في حق الكل لم يكن
__________________
(١) أخرجه الترمذي في البر حديث ١٩٩٩.