وللبيان إن أردت الأسباع. قال الزمخشريّ : ويجوز أن تكون كتب الله كلها مثاني لأنها تثنى عليه لما فيها من المواعظ المكرّرة ويكون القرآن بعضها ، وقوله تعالى : (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) أي : الجامع لجميع معاني الكتب السماوية المتكفل بخيري الدارين مع زيادات لا تحصى فيه أوجه أحدها : أنه من عطف بعض الصفات على بعض ، أي : الجامع بين هذين النعتين. الثاني : أنه من عطف العامّ على الخاص إذا المراد بالسبع إما الفاتحة وإما الطوال ، فكأنه ذكر مرّتين بجهة الخصوص ثم باندراجه في العموم. الثالث : أنّ الواو مقحمة.
ولما عرف سبحانه وتعالى رسوله عظيم نعمه عليه فيما يتعلق بالدين وهو أنه آتاه سبعا من المثاني والقرآن العظيم نهاه عن الرغبة في الدنيا بقوله تعالى :
(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))
(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي : لا تشغل سرّك وخاطرك بالالتفات (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أي : أصنافا من الكفار والزوج في اللغة الصنف وقد أوتيت القرآن العظيم الذي فيه غنى عن كل شيء. قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : من أوتي القرآن فرأى أنّ أحدا أوتي في الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا. وتأوّل سفيان بن عيينة هذه الآية بقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» (١) ، أي : لم يستغن. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي : لا تتمنّ ما فضلنا به أحدا من متاع الدنيا ، وقيل : أتت من بعض البلاد سبع قوافل ليهود قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في طاعة الله تعالى فقال الله تعالى : لقد أعطيتكم سبع آيات هنّ خير من هذه القوافل السبع. وقرّر الواحدي هذا المعنى فقال : إنما يكون مادّا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إلى الشيء تدل على استحسانه وتمنيه. وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا. روي أنه نظر إلى نعم بني المصطلق وقد عوست في أبوالها وأبعارها وهو أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها إذا تركت من العمل أيام الربيع فتكثر شحومها ولحومها وهي أحسن ما تكون. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» (٢). وقوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) نهي له عن الالتفات إليهم إن لم يؤمنوا فيخلصوا أنفسهم من النار.
ولما نهاه سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين بقوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) أي : ألن جانبك (لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : العريقين في هذا
__________________
(١) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٥٢٧ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٤٦٩.
(٢) أخرجه الترمذي في القيامة حديث ٢٥١٣ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٤٢.