عليهم : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ،) أي : رسلا فحذف ذكر الرسل لدلالة الإرسال عليه وقوله تعالى : (فِي شِيَعِ ،) أي : فرق (الْأَوَّلِينَ) من باب إضافة الصفة إلى الموصوف كقوله تعالى : (حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة ، ٩٥] سموا شيعا لمتابعة بعضهم بعضا في الأحوال التي يجتمعون عليها في الزمن الواحد ، والشيع جمع شيعة وهي الفرقة المجتمعة المتفقة كلمتهم على مذهب وطريقة. وقال الفراء : الشيعة هم الأتباع وشيعة الرجل أتباعه ، وقيل : الشيعة من يتقوى بهم الإنسان.
(وَما يَأْتِيهِمْ) عبر بالمضارع على حكاية الحال الماضية ، فإن ما لا تدخل على مضارع إلا وهو في معنى الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال ، والأصل وما كان يأتيهم (مِنْ رَسُولٍ ،) أي : على أيّ وجه كان (إِلَّا كانُوا بِهِ) جبلة وطبعا (يَسْتَهْزِؤُنَ) كاستهزاء قومك بك فصبروا فاصبر كما صبروا.
(كَذلِكَ ،) أي : مثل ادخالنا التكذيب في قلوب هؤلاء المستهزئين بالرسل (نَسْلُكُهُ ،) أي : ندخله (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ،) أي : كفار مكة المستهزئين.
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ،) أي : بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم وقيل : بالقرآن. وفي الآية دليل على أنّ الله تعالى يخلق الباطل في قلوب الكفار. والسلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط والرمح في المطعون ، ومنه قوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) [المدثر ، ٤٢] وقيل : الضمير في نسلكه يعود للذكر كما أنّ الضمير في به يعود إليه وجملة لا يؤمنون به حال من ذلك الضمير والمعنى على هذا مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قلوب المجرمين مكذبا به غير مؤمن به قال البيضاوي : وهذا الاستدلال ضعيف إذ لا يلزم من تعاقب الضمائر توافقها في المرجوع إليه اه. وما أعدت الضمير عليه في ذلك هو ما قاله ابن الخازن ، وجرى عليه الجلال السيوطي وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ،) أي : سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم أنبياءهم وعيد شديد لكفار مكة بأنه ينزل بهم مثل ما نزل بالأمم الماضية المكذبة ، وقال الزجاج : قد مضت سنة الله في أن يسلك الكفر والضلال في قلوبهم. قال الرازي : وهذا أليق بظاهر اللفظ. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بإدغام تاء التأنيث في السين والباقون بالإظهار.
وقوله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) الآية هو المراد في سورة الأنعام في قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) [الأنعام ، ٧] الآية ، أي : الذين يقولون لو ما تأتينا بالملائكة فلو أنزلنا الملائكة (فَظَلُّوا فِيهِ ،) أي : فظلت الملائكة (يَعْرُجُونَ ،) أي : يصعدون في الباب وهم يرونها عيانا.
(لَقالُوا ،) أي : من عتوّهم في الكفر (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا ،) أي : سدت عن الإبصار بالسحر من السكر ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أو حيرت من السكر يدل عليه قراءة الباقين بالتشديد. (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ،) أي : قد سحرنا محمد بذلك ، أي : كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات كانشقاق القمر وما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوسلم من القرآن المعجز الذي لا يستطيع الجنّ والإنس أن يأتوا بمثله. وقيل : الضمير في يعرجون للمشركين ، أي : فظل المشركون يصعدون في ذلك الباب فينظرون في ملكوت السموات وما فيها من العجائب لما آمنوا لعنادهم وكفرهم وقالوا : إنما سحرنا. وقرأ الكسائي بإدغام لام بل في النون والباقون بالإظهار.
ولما أجاب الله تعالى عن شبهة منكري النبوّة والقول بالنبوّة مفرع على القول بالتوحيد